تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَءَاتَيۡنَٰهُم بَيِّنَٰتٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِۖ فَمَا ٱخۡتَلَفُوٓاْ إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلۡعِلۡمُ بَغۡيَۢا بَيۡنَهُمۡۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقۡضِي بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ} (17)

الآية 17 وقوله تعالى : { وآتيناهم بينات من الأمر } قال بعضهم : { بينات من الأمر } أي آيات من الأمر . وقيل : { بينات من الأمر } أي ما بيّن لهم من الحلال والحرام والشُّبَه [ وأنباء من ]{[19207]} كان قبلهم ، والله أعلم . ويحتمل { بينات من الأمر } أي بيان ما تقع الحاجة إليه من الأمر .

وعندنا { بينات من الأمر } يخرّج على وجهين :

أحدهما : { وآتيناهم بينات من الأمر } أي بينات التكوين ودلالات لما جعل الله في نفس كل أحد من دلالات وحدانيته وألوهيته ، أو ما أقام من الآيات في العالم على التكوين يدلّ على جعل الألوهية والربوبية له .

وقوله تعالى : { فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم } على ما ذكرنا من أمر التكوين ، أي ما اختلفوا في صرف الألوهية والوحدانية عن الله تعالى إلى غيره إلا بعد ما جاءهم العلم أي الأمر [ إلا من بعد ]{[19208]} ما بيّن لهم أن الألوهية والربوبية بالدلالة الواضحة والحجة النّيِّرة ، وأن له الخلق والأمر ، إلا أنه ذكر العلم ، وأراد به أسباب العلم ودلائله ، والله أعلم .

والثاني : يحتمل قوله تعالى : { وآتيناهم بينات من الأمر } أمر المجيء من الأمر والنهي والتحليل والتحريم وبيان ما يُؤتى وما يتّقى وما لهم وما عليهم .

وقوله تعالى : { فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم } واختلافهم في ما امتُحنوا يتوجّه إلى وجوه :

أحدها : ما اختلفوا في ما امتُحنوا من الدين أو في ما امتُحنوا في اتّباع رسول الله صلى الله عليه وسلم والإجابة /506-ب/ إلى ما يدعوهم إليه والطاعة له .

[ والثاني ]{[19209]} اختلافهم الذي ذكر الاختلاف في القرآن .

[ والثالث ]{[19210]} في ما امتُحنوا من والتحليل والتحريم .

ثم يُخبر تعالى ، جلّ وعلا ، أنهم ما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بالحق في ذلك والبيان أنه من الله ، وأن ما هم عليه باطل مُضمحلّ .

ثم أخبر أن اختلافهم إنما هو لبغي بينهم وحسد ، حملهم ذلك على الاختلاف في ما بينهم .

ثم أخبر أنه { يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون } .

ثم قوله تعالى : { يقضي بينهم يوم القيامة } يحتمل وجهين :

أحدهما : أي يجزيهم في الآخرة جزاء اختلافهم في الدنيا .

[ والثاني ]{[19211]} : { { يقضي } أي يفصل ، ويُبين لهم يوم القيامة الحق من الباطل والمُحقّ والمبطل ، والله أعلم .


[19207]:في الأصل وم: وبنا ما.
[19208]:من م، ساقطة من الأصل.
[19209]:في الأصل وم: ويحتمل.
[19210]:في الأصل وم: أو.
[19211]:في الأصل وم: أو.