في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَآ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ خَيۡلٖ وَلَا رِكَابٖ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (6)

6

( ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ، ولكن الله يسلط رسله على من يشاء ، والله على كل شيء قدير ) .

والإيجاف : الركض والإسراع . والركاب : الجمال . والآية تذكر المسلمين أن هذا الفيء الذي خلفه وراءهم بنو النضير لم يركضوا هم عليه خيلا ، ولم يسرعوا إليه ركبا ، فحكمه ليس حكم الغنيمة التي أعطاهم الله أربعة أخماسها ، واستبقى خمسها فقط لله والرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ، كما حكم الله في غنائم بدر الكبرى . إنما حكم هذا الفيء أنه كله لله والرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل . والرسول [ صلى الله عليه وسلم ] هو الذي يتصرف فيه كله في هذه الوجوه . وذو القربى المذكورون في الآيتين هم قرابة رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] أن كانت الصدقات لا تحل لهم ، فليس لهم في الزكاة نصيب ، وأن كان النبي لا يورث فليس لذوي قرابته من ماله شيء . وفيهم الفقراء الذين لا مورد لهم . فجعل لهم من خمس الغنائم نصيبا ، كما جعل لهم من هذا الفيء وأمثاله نصيبا . فأما بقية الطوائف والمصارف فأمرها معروف . والرسول [ صلى الله عليه وسلم ] هو المتصرف فيها .

هذا هو حكم الفيء تبينه الآيات . ولكنها لا تقتصر على الحكم وعلته القريبة . إنما تفتح القلوب على حقيقة أخرى كبيرة : ( ولكن الله يسلط رسله على من يشاء ) . . فهو قدر الله . وهم طرف من هذا القدر يسلطه على من يشاء . ( والله على كل شيء قدير ) . .

بهذا يتصل شأن الرسل بقدر الله المباشر ؛ ويتحدد مكانهم في دولاب القدر الدوار . ويتبين أنهم - ولو أنهم بشر - متصلون بإرادة الله ومشيئته اتصالا خاصا ، يجعل لهم دورا معينا في تحقيق قدر الله في الأرض ، بإذن الله وتقديره . فما يتحركون بهواهم ، وما يأخذون أو يدعون لحسابهم . وما يغزون أو يقعدون ، وما يخاصمون أو يصالحون ، إلا لتحقيق جانب من قدر الله في الأرض منوط بهم وبتصرفاتهم وتحركاتهم في هذه الأرض . والله هو الفاعل من وراء ذلك كله . وهو على كل شيء قدير . .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَآ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ خَيۡلٖ وَلَا رِكَابٖ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (6)

{ وما أفاء الله على رسوله منهم . . . } الفيء : الرجوع ، يقال : فاء عليه ، إذا رجع ، وأفأته عليه : إذا رددته عليه . والإيجاف : الإسراع في السير يقال : أوجفت البعير ، أسرعته والركاب : الإبل . نزلت حين طلب الصحابة منه صلى الله عليه وسلم أن يقسم بينهم أموال بني النضير قسمة الغنائم ؛ فبين الله تعالى أنها فيء لا غنيمة ، إذ أنهم لم يقطعوا لها شقة ، ولم يلقوا فيها مشقة ، ولم يلتحموا فيها بقتال شديد ، بل ذهبوا إلى قراها رجالا ، وكانت على ميلين من المدينة ، وفتحت صلحا فهي للرسول صلى الله عليه وسلم خالصة ، يتصرف فيها كما أمره الله تعالى في الآية التالية ؛ حيث جعل فيها خمس الفيء من أموال الكفار عامة مقسوما على خمسة أسهم لمن ذكرهم الله فيها ؛ لا على ستة لأن سهمه سبحانه ومنهم رسوله سهم واحد . وذكره تعالى افتتاح كلام للتيمن والتبرك ؛ فإن لله ما في السموات وما في الأرض ، وفيه تعظيم لشأن رسوله صلى الله عليه وسلم ، وجعل أربعة أخماسه الباقية لمصالح المسلمين على ما يراه صلى الله عليه وسلم ، وله أن يعم بها وأن يخص ، ولذلك احتبس صلى الله عليه وسلم من أموال بني النضير شيئا لنوائبه وما يعرون . وقسم أكثرها بين الفقراء المهاجرين ، ولم يعط الأنصار منها شيئا سوى ثلاثة نفر أعطاهم لفقرهم ، وقال للأنصار : ( إن شئتم قسمت أموال بني النضير بينكم وبينهم وأقمتم على مواساتهم في ثماركم ، وإن شئتم أعطيتها للمهاجرين دونكم وقطعتم عنهم ما كنتم تعطونهم من ثماركم ) ؟ فقالوا : بل تعطيهم دوننا ، ونقيم على مواساتهم ؛ فأعطى المهاجرين دونهم ، فاستغنى القوم جميعا : المهاجرون بما أخذوا ، والأنصار بما رجع إليهم من ثمارهم . و { أهل القرى } هم أهل قرى الكفار عامة ، الذين نيلت أموالهم صلحا بغير إيحاف خيل ولا ركاب . و { لذي القربى } هم بنو هاشم وبنو المطلب .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَآ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ خَيۡلٖ وَلَا رِكَابٖ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (6)

{ ما أفاء الله على رسوله } : ما رده الله من أموال بني النضير ، والفيء : معناه في اللغة الرجوع ، ومعناه في الشرع : ما أُخذ من أموال الأعداء من غير قتال .

{ فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب } : فما أسرعتم في السير إليه بخيل ولا إبل . يبين الله تعالى هنا حكْم ما أخذ من أموال بني النضير بعد ما حل بهم من الإجلاء ويقول : إن الأموال التي تركها بنو النضير في بيوتهم هي فيءٌ لله وللرسول يضعها حيث يشاء . . لأن ما أفاءه الله وردّه على رسوله من أموالهم قد تم مع أنكم أيها المسلمون ، لم تسرعوا إليهم بالخيل ولا بالإبل ولم تقاتلوهم ، بل نزلوا على حكم الرسول الكريم ، فالله يسلّط رسله على من يشاء من عباده بلا قتال ، { والله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } .

روى البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : « كانت أموال بني النضير مما أفاء الله تعالى على رسوله خاصة ، فكان ينفق على أهله منها نفقةَ سنة ، ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع عدّةً في سبيل الله تعالى » .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَآ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ خَيۡلٖ وَلَا رِكَابٖ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (6)

ثم ذكر من انتقلت إليه أموالهم وأمتعتهم ، فقال : { وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ } أي : من أهل هذه القرية ، وهم بنو النضير .

{ ف } إنكم يا معشر المسلمين { ما أَوْجَفْتُمْ } أي : ما أجلبتم وأسرعتم وحشدتم ، { عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ } أي : لم تتعبوا بتحصيلها ، لا بأنفسكم ولا بمواشيكم ، بل قذف الله في قلوبهم الرعب ، فأتتكم صفوا عفوا ، ولهذا قال : { وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } من تمام قدرته أنه لا يمتنع منه{[1033]}  ممتنع ، ولا يتعزز من دونه قوي ، وتعريف الفيء في اصطلاح الفقهاء : هو ما أخذ من مال الكفار بحق ، من غير قتال ، كهذا المال الذي فروا وتركوه خوفا من المسلمين ، وسمي فيئا ، لأنه رجع من الكفار الذين هم غير مستحقين له ، إلى المسلمين الذين لهم الحق الأوفر فيه .


[1033]:- في ب: عليه
 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَمَآ أَفَآءَ ٱللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِۦ مِنۡهُمۡ فَمَآ أَوۡجَفۡتُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ خَيۡلٖ وَلَا رِكَابٖ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُۥ عَلَىٰ مَن يَشَآءُۚ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ} (6)

فيه عشر مسائل :

الأولى- قوله تعالى : { وما أفاء الله } يعني ما رده الله تعالى { على رسوله } من أموال بني النضير ، { فما أوجفتم عليه } أوضعتم عليه . والإيجاف : الإيضاع في السير وهو الإسراع ، يقال : وجف الفرس إذا أسرع ، وأوجفته أنا أي حركته وأتعبته ، ومنه قول تميم بن مقبل :

مذاويدُ بالبِيض الحديث صقالُها *** عن الركب أحيانا إذا الركب أوجفوا

والركاب الإبل ، واحدها راحلة . يقول : لم تقطعوا إليها شقة ولا لقيتم بها حربا ولا مشقة ، وإنما كانت من المدينة على ميلين ، قاله الفراء . فمشوا إليها مشيا ولم يركبوا خيلا ولا إبلا ، إلا النبي صلى الله عليه وسلم فإنه ركب جملا وقيل حمارا مخطوما بليف ، فافتتحها صلحا وأجلاهم وأخذ أموالهم ، فسأل المسلمون النبي صلى الله عليه وسلم أن يقسم لهم فنزلت : { وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه } الآية . فجعل أموال بني النضير للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة يضعها حيث شاء ، فقسمها النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين . قال الواقدي : ورواه ابن وهب عن مالك ، ولم يعط الأنصار منها شيئا إلا ثلاثة نفر محتاجين ، منهم أبو دجانة سماك بن خرشة ، وسهل بن حنيف ، والحارث بن الصمة . وقيل : إنما أعطى رجلين ، سهلا وأبا دجانة . ويقال : أعطى سعد بن معاذ سيف بن أبي الحقيق ، وكان سيفا له ذِكْرٌ عندهم . ولم يسلم من بني النضير إلا رجلان : سفيان بن عمير ، وسعد بن وهب ، أسلما على أموالهما فأحرزاها .

وفي صحيح مسلم عن عمر قال : كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب ، وكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، فكان ينفق على أهله نفقة سنة ، وما بقي يجعله في الكراع{[14826]} والسلاح عدة في سبيل الله تعالى . وقال العباس لعمر - رضي الله عنهما - : اقض بيني وبين هذا الكاذب الآثم الغادر الخائن - يعني عليا رضي الله عنه - فيما أفاء الله على رسوله من أموال بني النضير ، فقال عمر : أتعلمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا نورث ما تركناه صدقة ) قالا : نعم . قال عمر : إن الله عز وجل كان خص رسوله صلى الله عليه وسلم بخاصة ولم يخصص بها أحدا غيره . قال : { ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول } ( ما أدري هل قرأ الآية التي قبلها أم لا ) فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بينكم أموال بني النضير ، فوالله ما استأثرها عليكم ولا أخذها دونكم حتى بقي هذا المال ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منه نفقة سنة ، ثم يجعل ما بقي أسوة المال . . . الحديث بطوله ، خرجه مسلم . وقيل : لما ترك بنو النضير ديارهم وأموالهم طلب المسلمون أن يكون لهم فيها حظ كالغنائم ، فبين الله تعالى أنها فيء وكان جرى ثم بعض القتال ؛ لأنهم حوصروا أياما وقاتلوا وقتلوا ، ثم صالحوا على الجلاء . ولم يكن قتال على التحقيق ، بل جرى مبادئ القتال وجرى الحصار ، وخص الله تلك الأموال برسوله صلى الله عليه وسلم . وقال مجاهد : أعلمهم الله تعالى وذكرهم أنه إنما نصر رسول صلى الله عليه وسلم ونصرهم بغير كراع ولا عدة . { ولكن الله يسلط رسله على من يشاء } أي من أعدائه ، وفي هذا بيان أن تلك الأموال كانت خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم دون أصحابه .


[14826]:قوله "في الكراع": في الدواب التي تصلح للحرب.