{ فَرَوْحٌ } أي فله روح على أنه مبتدأ خبره محذوف مقدم عليه لأنه نكرة ، وقيل : خبر مبتدأ محذوف أي فجزاؤه روح أي استراحة ، والفاء واقعة في جواب أما ، قال بعض الأجلة : تقدير هذا الكلام مهما يكن من شيء فروح الخ إن كان من المقربين فحذف مهما يكن من شيء ، وأقيم أما مقامه ولم يحسن أن يلي الفاء أما ، فأوقع الفصل بين أما والفاء بقوله سبحانه : { إِن كَانَ مِنَ المقربين } [ الواقعة : 88 ] لتحسين اللفظ كما يقع الفصل بينهما بالظرف والمفعول ، والفاء في { فَرَوْحٌ } وأخويه جواب أما دون { إن } ، وقال أبو البقاء : جواب أما { فَرَوْحٌ } ، وأما { إن } فاستغنى بجواب أما عن جوابها لأنه يحذف كثيراً ، وفي «البحر » أنه إذا اجتمع شرطان فالجواب للسابق منهما ، وجواب الثاني محذوف ، فالجواب ههنا لأما ، وهذا مذهب سيبويه .
وذهب الفارسي إلى أن المذكور جواب { إن } وجواب أما محذوف ، وله قول آخر موافق لمذهب سيبويه .
وذهب الأخفش إلى أن المذكور جواب لهما معاً ، وقد أبطلنا المذهبين في شرح التسهيل انتهى ، والمشهور أنه لا بد من لصوق الاسم لأما وهو عند الرضي وجماعة أكثري لهذه الآية ، والذاهبون إلى الأول قالوا : هي بتقدير فأما المتوفى { إِن كَانَ } وتعقب بأنه لا يخفى أن التقدير مستغنى عنه ولا دليل عليه إلا اطراد الحكم ، ثم إن كون أما قائمة مقام مهما يكن أغلبي إذ لا يطرد في نحو أما قريشاً فأنا أفضلها إذ التقدير مهما ذكرت قريشاً فأنا أفضلها ، وتمام الكلام في هذا المقام يطلب من كتب العربية .
وأخرج الإمام أحمد . والبخاري في تاريخه . وأبو داود . والنسائي . والترمذي وحسنه . والحاكم وصححه . وآخرون عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ { فَرَوْحٌ } بضم الراء ، وبه قرأ ابن عباس . وقتادة . ونوح القارىء . والضحاك . والأشهب . وشعيب . وسليمان التيمي . والربيع بن خيثم . ومحمد بن علي . وأبو عمران الجوني . والكلبي . وفياض . وعبيد . وعبد الوارث عن أبي عمرو . ويعقوب بن حسان . وزيد . ورويس عنه . والحسن وقال : { الروح } الرحمة لأنها كالحياة للمرحوم ، أو سبب لحياته الدائمة فإطلاقه عليها من باب الاستعارة أو المجاز المرسل ، وروي هذا عن قتادة أيضاً ، وقال ابن جني : معنى هذه القراءة يرجع إلى معنى الروح فكأنه قيل : فله ممسك روح وممسكها هو الروح كما تقول : الهواء هو الحياة وهذا السماع هو العيش ، وفسر بعضهم الروح بالفتح الرحمة أيضاً كما في قوله تعالى : { وَلاَ تَايْئَسُواْ مِن رَّوْحِ الله } [ يوسف : 87 ] وقيل : هو بالضم البقاء { وَرَيْحَانٌ } أي ورزق كما روي عن ابن عباس . ومجاهد . والضحاك ، وفي رواية أخرى عن الضحاك أنه الاستراحة ، وأخرج عبد بن حميد عن الحسن أنه قال : هو هذا الريحان أي المعروف .
وأخرج ابن جرير عنه أنه قال : تخرج روح المؤمن من جسده في ريحانة ؛ ثم قرأ { فَأَمَّا إِن كَانَ } [ الواقعة : 88 ] الخ .
وأخرج ابن جرير . وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : لم يكن أحد من المقربين يفارق الدنيا حتى يؤتى بغصنين من ريحان الجنة فيشمهما ثم يقبض { وجنات نَعِيمٍ } أي ذات تنعم فالإضافة لامية أولادنى ملابسة ، وهذا إشارة إلى مكان المقربين بحيث يلزم منه أن يكونوا أصحاب نعيم .
وأخرج الإمام أحمد في الزهد . وابن أبي شيبة . وعبد بن حميد . وابن المنذر عن الربيع بن خيثم قال في قوله تعالى : { فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ المقربين فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ } : هذا له عند الموت ، وفي قوله تعالى : { وَجَنَّة نَعِيمٍ } تخبأ له الجنة إلى يوم يبعث ولينظر ما المراد بالريحان على هذا ، وعن بعض السلف ما يقتضي أن يكون الكل في الآخرة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{فروح} يعني فراحة {وريحان} يعني الرزق في الجنة بلسان خير {وجنت نعيم}...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"فأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقَرّبِينَ فَرَوْحَ وَرَيْحانٌ" يقول تعالى ذكره: فأما إن كان الميت من المقرّبين الذين قرّبهم الله من جواره في جنانه "فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ" يقول: فله روح وريحان. واختلف القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار "فَرَوْحٌ" بفتح الراء، بمعنى: فله برد "وَرَيْحانٌ" يقول: ورزق واسع... بمعنى: فله الرحمة والمغفرة، والرزق الطيب الهنّي...
وأصله من قولهم: وجدت رَوْحا: إذا وجد نسيما يَسَترْوح إليه من كَرَبِ الحرّ. وأما الرّيحان، فإنه عندي الريحان الذي يُتَلقى به عند الموت، وقوله: "وَجَنّةُ نَعِيمٍ" يقول: وله مع ذلك بستان نعيم يتنعم فيه.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} في الرَّوح ثمانية تأويلات:
الخامس: أنه الرَوح من الغم والراحة من العمل، لأنه ليس في الجنة غم ولا عمل...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
والروح: الرحمة والسعة والفرح، ومنه {روح الله} [يوسف: 87] والريحان وهو دليل النعيم.
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
{فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ} أي: فلهم روح وريحان، وتبشرهم الملائكة بذلك عند الموت، كما تقدم في حديث البراء: أن ملائكة الرحمة تقول: "أيتها الروح الطيبة في الجسد الطيب كنت تعمرينه، اخرجي إلى روح وريحان، ورب غير غضبان"... من الرحمة والراحة والاستراحة، والفرح والسرور والرزق الحسن، {وَجَنَّةُ نَعِيمٍ}.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{فروح} أي فله راحة ورحمة... {وريحان}...ولما ذكر هذه اللذاذة، ذكر ما يجمعها وغيرها فقال: {وجنات} أي بستان جامع للفواكه والرياحين وما يكون عنها وتكون عنه...
ولما كان جنان الدنيا قد يكون فيها نكد، أضاف هذه الجنة إلى المراد بهذه الجنان إعلاماً بأنها لا تنفك عنه فقال: {نعيم} أي ليس فيها غيره بل هي مقصورة عليه.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
فالروح هنا ترى علائم هذا النعيم الذي ينتظرها: روح وريحان وجنة نعيم. والألفاظ ذاتها تقطر رقة ونداوة. وتلقي ظلال الراحة الحلوة، والنعيم اللين والأنس الكريم...
وجزاؤهم: (فروح)، قالوا: يعني رحمة من الله وسرور بنعمة الله، والرحمة تتناسب سعتها وعلوها بقدر الراحم، فإذا كانت الرحمة من الله فهي رحمة لا حدود لها.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.