في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ عَنۡهُم بِبَطۡنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعۡدِ أَنۡ أَظۡفَرَكُمۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا} (24)

18

كذلك يمن عليهم بكف أيدي المشركين عنهم ، وكف أيديهم عن المشركين من بعد ما أظفرهم على من هاجموهم . مشيرا إلى ذلك الحادث الذي أراد أربعون من المشركين أو أكثر أو أقل أن ينالوا من معسكر المسلمين . فأخذوا وعفا عنهم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] :

( وهو الذي كف أيديهم عنكم ، وأيديكم عنهم ببطن مكة . من بعد أن أظفركم عليهم . وكان الله بما تعملون بصيرا ) . .

وهو حادث وقع ، يعرفه السامعون ؛ والله يذكره لهم في هذا الأسلوب ، ليرد كل حركة وكل حادث وقع لهم إلى تدبيره المباشر ؛ وليوقع في قلوبهم هذا الإحساس المعين بيد الله سبحانه وهي تدبر لهم كل شيء ، وتقود خطاهم ، كما تقود خواطرهم ، ليسلموا أنفسهم كلها لله ، بلا تردد ولا تلفت ، ويدخلوا بهذا في السلم كافة ، بكل مشاعرهم وخواطرهم ، واتجاههم ونشاطهم ؛ موقنين أن الأمر كله لله ، وأن الخيرة ما اختاره الله ، وأنهم مسيرون بقدره ومشيئته فيما يختارون وفيما يرفضون . وأنه يريد بهم الخير . فإذا استسلموا له تحقق لهم الخير كله من أيسر طريق . وهو بصير بهم ، ظاهرهم وخافيهم ، فهو يختار لهم عن علم وعن بصر . ولن يضيعهم ، ولن يضيع عليهم شيئا يستحقونه : ( وكان الله بما تعملون بصيرا ) . .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ عَنۡهُم بِبَطۡنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعۡدِ أَنۡ أَظۡفَرَكُمۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا} (24)

ثم ذكر منة الله على عباده المؤمنين بقوله تعالى : { وَهُوَ الذي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } فصان كلا الفريقين عن الآخر ، وأوجد صلحا فيه خيرة للمؤمنين ، وعافية لهم في الدنيا والآخرة .

قراءات :

قرأ أبو عمرو : يعملون بصيرا ، بالياء ، والباقون : بما تعملون بالتاء .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيۡدِيَهُمۡ عَنكُمۡ وَأَيۡدِيَكُمۡ عَنۡهُم بِبَطۡنِ مَكَّةَ مِنۢ بَعۡدِ أَنۡ أَظۡفَرَكُمۡ عَلَيۡهِمۡۚ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرًا} (24)

قوله : { وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم } يمتن الله على المؤمنين ، إذ كف أيدي الأعداء المشركين عنهم فلم يصبهم منهم سوء . وكذلك كف الله أيدي المؤمنين عن المشركين فلم يقاتلوهم عند المسجد الحرام بل حفظ الله كلا من الفريقين وأوجد بينهم صلحا كان فيه الخير والمصلحة للمسلمين .

قال ابن جرير الطبري في تأويل الآية : يعني أن الله كف أيدي المشركين الذين كانوا خرجوا على عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية يلتمسون غرتهم ليصيبوا منهم ، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي بهم أسرى فخلى عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنّ عليهم ولم يقتلهم .

وفي كف المشركين عن المسلمين ودفع أذاهم عنهم روى الإمام أحمد بإسناده عن أنس بن مالك ( رضي الله عنه ) قال : لما كان يوم الحديبية هبط على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ثمانون رجلا من أهل مكة بالسلاح من قبل جبل التنعيم يريدون غرة{[4265]} رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا عليهم فأخذوا ، فعفا عنهم ، ونزلت هذه الآية .

وروى أحمد عن عبد الله بن مغفل المدني ( رضي الله عنهما ) قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصل الشجرة التي قال الله تعالى في القرآن وكان يقع من أغصان تلك الشجرة على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم . وعلي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) وسهيل بن عمرو بين يديه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي ( رضي الله عنه ) : " اكتب بسم الله الرحمان الرحيم " فأخذ سهل بيده . وقال : ما نعرف الرحمان الرحيم . اكتب في قضيتنا ما نعرف . فقال : " اكتب باسمك اللهم " . وكتب : " هذا ما صالح عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل مكة " . فأمسك سهيل بن عمرو بيده وقال : لقد ظلمناك إن كنت رسوله ، اكتب في قضيتنا ما نعرف . فقال : " اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله " . فبينا نحن كذلك ، إذ خرج علينا ثلاثون شابا عليهم السلاح فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الله تعالى بأسماعهم فقمنا إليهم فأخذناهم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هل جئتم في عهد أحد ؟ أو هل جعل لكم أحد أمانا ؟ " فقالوا : لا ، فخلى سبيلهم فأنزل الله تعالى الآية .

قوله : { وكان الله بما تعملون بصيرا } الله عليم بأعمال العباد ، لا يخفى عليه منها شيء{[4266]} .


[4265]:الغرة، بالكسر: الغفلة. انظر المصباح المنير جـ 2 ص 97.
[4266]:تفسير ابن كثير جـ 4 ص 192 وتفسير الطبري جـ 26 ص 60 وتفسير الرازي جـ 28 ص 97 والكشاف ص 546، 547.