قوله تعالى : { والذين كفروا فتعساً لهم } قال ابن عباس : بعداً لهم . وقال أبو العالية : سقوطاً لهم . وقال الضحاك : خيبةً لهم . وقال ابن زيد : شقاءً لهم . قال الفراء : هو نصب على المصدر ، على سبيل الدعاء . وقيل : في الدنيا العثرة ، وفي الآخرة التردي في النار . ويقال للعاثر : تعساً إذا لم يريدوا قيامه ، وضده لعاً إذا أرادوا قيامه ، { وأضل أعمالهم } لأنها كانت في طاعة الشيطان .
قوله تعالى : " والذين كفروا فتعسا لهم " يحتمل ، الرفع على الابتداء ، والنصب بما يفسره " فتعسا لهم " كأنه قال : أتعس الذين كفروا . و " تعسا لهم " نصب على المصدر بسبيل الدعاء ، قاله الفراء ، مثل سقيا له ورعيا . وهو نقيض لعا{[13916]} له . قال الأعشى :
فالتَّعْسُ أولى لها من أن أقول لَعَا{[13917]}
وفيه عشرة أقوال : الأول : بعدا لهم ، قاله ابن عباس وابن جريج . الثاني : حزنا لهم ، قاله السدي . الثالث : شقاء لهم ، قاله ابن زيد . الرابع : شتما لهم من الله ، قاله الحسن . الخامس : هلاكا لهم ، قاله ثعلب . السادس : خيبة لهم ، قاله الضحاك وابن زيد . السابع : قبحا لهم ، حكاه النقاش . الثامن : رغما لهم ، قاله الضحاك أيضا . التاسع : شرا لهم ، قاله ثعلب أيضا . العاشر : شقوة لهم ، قاله أبو العالية . وقيل : إن التعس الانحطاط والعثار . قال ابن السكيت : التعس أن يخر على وجهه . والنكس أن يخر على رأسه . قال : والتعس أيضا الهلاك . قال الجوهري : وأصله الكب ، وهو ضد الانتعاش . وقد تعس ( بفتح العين ) يتعس تعسا ، وأتعسه الله . قال مجمع بن هلال :
تقول وقد أفردتُهَا من خَلِيلِها *** تعستَ كما أتعستَنِي يا مُجَمِّعُ
يقال : تعسا لفلان ، أي ألزمه الله هلاكا . قال القشيري : وجوز قوم تعس ( بكسر العين ) .
قلت : ومنه حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة{[13918]} إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض " خرجه البخاري . في بعض طرق هذا الحديث " تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش " {[13919]} خرجه ابن ماجه .
قوله تعالى : " وأضل أعمالهم " أي أبطلها لأنها كانت في طاعة الشيطان . ودخلت الفاء في قوله : " فتعسا " لأجل الإبهام الذي في " الذين " ، وجاء " وأضل أعمالهم " على الخبر حملا على لفظ الذين ، لأنه خبر في اللفظ ، فدخول الفاء حملا على المعنى ، " وأضل " حملا على اللفظ .
ولما ذكر أهل الإيمان{[59420]} ، بين ما لأهل الكفران ، فقال سبحانه : { والذين كفروا } أي ستروا ما دل عليه العقل وقادت إليه الفطر الأولى ، وبين أن سوء أعمالهم أسباب وبالهم بالفاء . فقال مؤكداً بجعل الخبر مفعولاً مطلقاً {[59421]}لأجل استبعادهم{[59422]} بما لهم من القوة بكثرة العدد والملاءة{[59423]} بالعدد : { فتعساً } أي فقد عثروا{[59424]} فيقال لهم ما يقال للعاثر الذي يراد{[59425]} أنه لا يقوم : تعساً لا قيام معه ، كما يقال لمن عثر وأريد قيامه : تعساً لك-{[59426]} ، والمراد بالتعس الانحطاط والسفول والهوان والقلق .
ولما كان كأنه قيل : لمن هذا ؟ قيل{[59427]} : { لهم } فلا يكادون يثبتون في قتال لمن صلحت{[59428]} من الأعمال .
ولما كان الإنسان قد يعثر ويقع ويقال له : تعساً ، ويقوم بعد ذلك ، ولا يبطل عمله{[59429]} ، بين أن قوله ليس كذلك ، بل مهما قاله كان لا يتخلف أصلاً ، فقال معبراً بالماضي إشارة إلى التحتم فيه ، وأما الاستقبال فربما تاب{[59430]} على بعضهم{[59431]} فيه عاطفاً على ما تقديره فقال تعالى لهم ذلك : { وأضل أعمالهم * } وإن كانت ظاهرة الإيقان لأجل تضييع الأساس بالإيمان .
قوله : { والذين كفروا فتعسا لهم } ( تعسا ) منصوب على المصدر . وتقديره : تعسهم تعسا . ويقال : أتعسهم إتعاسا ، والأظهر النصب{[4229]} والتعس معناه الهلاك . يقال : أتعسه الله . وتعسا لفلان ، أي ألزمه الله هلاكا {[4230]} وهو في معنى الدعاء ، أي أتعسهم الله ، أو خزيا لهم وشقاء { وأضل أعمالهم } أي أحبطها وأبطلها .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.