في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{رَّسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَٰتٖ لِّيُخۡرِجَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ قَدۡ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ لَهُۥ رِزۡقًا} (11)

ويجسم هذا الذكر ويمزجه بشخص الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] فيجعل شخصه الكريم هو الذكر ، أو بدلا منه في العبارة : ( رسولا يتلو عليكم آيات الله مبينات ) . .

وهنا لفتة مبدعة عميقة صادقة ذات دلائل منوعة . .

إن هذا الذكر الذي جاء من عند الله مر إليهم من خلال شخصية الرسول الصادق حتى لكأن الذكر نفذ إليهم مباشرة بذاته ، لم تحجب شخصية الرسول شيئا من حقيقته .

والوجه الثاني لإيحاء النص هو أن شخصية الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] قد استحالت ذكرا ، فهي صورة مجسمة لهذا الذكر صنعت به فصارت هو . وهو ترجمة حية لحقيقة القرآن . وكذلك كان رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وهكذا وصفته عائشة - رضي الله عنها - وهي تقول : " كان خلقه القرآن " . . وهكذا كان القرآن في خاطره في مواجهة الحياة . وكان هو القرآن يواجه الحياة !

وفوق نعمة الذكر والنور والهداية والصلاح ، وعد بنعيم الجنات خالدين فيها أبدا . وتذكير بأن هذا الرزق هو أحسن الرزق ، فلا يقاس إليه رزق الأرض : ( قد أحسن الله له رزقا ) . . وهو الرازق في الدنيا والآخرة ، ولكن رزقا خير من رزق ، واختياره للأحسن هو الاختيار الحق الكريم .

وهكذا يلمس نقطة الرزق مرة أخرى ، ويهون بهذه الإشارة من رزق الأرض ، إلى جانب رزق الجنة . بعدما وعد في المقاطع الأولى بسعة رزق الأرض أيضا . .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{رَّسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَٰتٖ لِّيُخۡرِجَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ قَدۡ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ لَهُۥ رِزۡقًا} (11)

رسولا : هو سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام .

وأرسل إليكم رسولا كريما هو محمد بن عبد الله عليه صلوات الله ، { يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ الله مُبَيِّنَاتٍ } فيها هدى لكم ، وبذلك أخرجكم من الظلمات وعبادة الأوثان إلى النور ، دين الله القويم الذي بيّن لكم الحقَّ من الباطل .

{ وَمَن يُؤْمِن بالله وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ الله لَهُ رِزْقاً } .

فالإيمان مشروط بالعمل ، وأي جزاء أحسنُ من الجنة وأي رزق أحسن من رزقها !

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{رَّسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَٰتٖ لِّيُخۡرِجَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ قَدۡ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ لَهُۥ رِزۡقًا} (11)

شرح الكلمات :

{ ذكراً رسولاً } : أي القرآن وأرسل إليكم رسولاً هو محمد صلى الله عليه وسلم .

{ من الظلمات إلى النور } : أي من ظلمات الكفر والشرك إلى نور الإيمان والتوحيد .

{ قد أحسن الله له رزقاً } : أي رزق الجنة التي لا ينقطع نعيمها أبدا .

المعنى :

/د8

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{رَّسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَٰتٖ لِّيُخۡرِجَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ قَدۡ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ لَهُۥ رِزۡقًا} (11)

قوله تعالى : " رسولا " قال الزجاج : إنزال الذكر دليل على إضمار أرسل ، أي أنزل إليكم قرآنا وأرسل رسولا . وقيل : إن المعنى قد أنزل الله إليكم صاحب ذكر رسولا ، " فرسولا " نعت للذكر على تقدير حذف المضاف . وقيل : إن رسولا معمول للذكر لأنه مصدر ، والتقدير : قد أنزل الله إليكم أن ذكر رسولا . ويكون ذكره الرسول قوله : " محمد رسول الله " [ الفتح : 29 ] . ويجوز أن يكون " رسولا " بدل من ذكر ، على أن يكون " رسولا " بمعنى رسالة ، أو على أن يكون على بابه ويكون محمولا على المعنى ، كأنه قال : قد أظهر الله لكم ذكرا رسولا ، فيكون من باب بدل الشيء من الشيء وهو هو . ويجوز أن ينتصب " رسولا " على الإغراء كأنه قال : اتبعوا رسولا . وقيل : الذكر هنا الشرف ، نحو قوله تعالى : " لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم{[15110]} " [ الأنبياء : 10 ] ، وقوله تعالى : " وإنه لذكر لك ولقومك{[15111]} " [ الزخرف : 44 ] ، ثم بين هذا الشرف ، فقال : " رسولا " . والأكثر على أن المراد بالرسول هنا محمد صلى الله عليه وسلم . وقال الكلبي : هو جبريل ، فيكونان جميعا منزلين . " يتلو عليكم آيات الله " نعت لرسول . و " آيات الله " القرآن . " مبينات " قراءة العامة بفتح الياء ، أي بينها الله . وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي بكسرها ، أي يبين لكم ما تحتاجون إليه من الأحكام . والأولى قراءة ابن عباس واختيار أبي عبيد وأبي حاتم ، لقوله تعالى : " قد بينا لكم الآيات " [ الحديد : 17 ] .

قوله تعالى : " ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات " أي من سبق له ذلك في علم الله . " من الظلمات " أي من الكفر . " إلى النور " الهدى والإيمان . قال ابن عباس : نزلت في مؤمني أهل الكتاب . وأضاف الإخراج إلى الرسول لأن الإيمان يحصل منه بطاعته . " ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا " قرأ نافع وابن عامر بالنون ، والباقون بالياء . " قد أحسن الله له رزقا " أي وسع الله له في الجنات .


[15110]:راجع جـ 11 ص 273.
[15111]:راجع جـ 16 ص 39.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{رَّسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَٰتٖ لِّيُخۡرِجَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ قَدۡ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ لَهُۥ رِزۡقًا} (11)

ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم صورة سورة{[66175]} القرآن ، فالقرآن باطنه وهو ظاهره لأنه{[66176]} خلقه لا قول له ولا فعل إلا به ، فكان كأنه هو ، أبدل منه قوله : { رسولاً } على أن الأمر فيه غي عن تأويل ، فإن الذكر بكسر الذال في اللغة كما في القاموس من الرجال{[66177]} القوي الشجاع الأبي ، ثم بين كونه ذكراً بقوله : { يتلوا } أي يتابع{[66178]} أن يقص { عليكم آيات الله } أي دلائل الملك الأعظم ذي الجلال والإكرام الظاهر جداً حال كونها { مبينات } أي لا لبس فيها بوجه .

ولما تبين أن الذكر والرسول صارا شيئاً واحداً ، وعلم ما في هذه المراسلة{[66179]} من الشرف ، أتبع ذلك بيان شرف آخر ببيان ثمرة إنزاله فقال : { ليخرج الذين آمنوا } أي أقروا بالشهادتين { وعملوا } تصديقاً لما قالوه{[66180]} بألسنتهم وتحقيقاً لأنه من قلوبهم { الصالحات }{[66181]} من الأعمال{[66182]} { من الظلمات } أي النفسانية والأخلاق الرذيلة{[66183]} المؤدية إلى ظلمة الجوارح بعملها{[66184]} الظلم وانتشارها في السبل الشيطانية { إلى النور } الروحاني العقيلي الخالص الذي لا دنس فيه بسلوك صراط{[66185]} الله الذي هو واحد{[66186]} لا شتات فيه وبين لا لبس فيه

{ وإن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل }[ الأنعام : 153 ] كما بادروا {[66187]}إلى إخراج{[66188]} أنفسهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ، ومن فساد الأعمال الصالحة إلى سداد الأعمال الصالحة{[66189]} ، وذلك بأن يصيرهم متخلقين بالقرآن ليكونوا مظهراً له{[66190]} في حركاتهم وسكناتهم وأقوالهم وأفعالهم فيكونوا{[66191]} ذكراً .

ولما كان التقدير : فمن آمن بالله وعمل صالحاً شاهد بركات{[66192]} ذلك في نفسه عاجلاً ، عطف عليه بياناً لسعادة الآجلة قوله تعالى : { ومن يؤمن بالله } أي يجدد في كل وقت على الدوام الإيمان بالملك الأعلى بأن لا يزال في ترق في معارج معارفه{[66193]} { ويعمل } على التجديد المستمر { صالحاً } لله وفي الله فله دوام النعماء ، وهو معنى إدخاله الجنة ، ولما كان قد تقدم{[66194]} قريباً في آية التقوى أنه يكفر عنه سيئاته ، قال شارحاً لقوله :

{ ويعظم له أجراً }[ الطلاق : 5 ] : { يدخله } أي عاجلاً مجازاً بما يتيح{[66195]} له من لذات العرفان ويفتح{[66196]} له من الأنس آجلاً حقيقة { جنات } أي بساتين هي في غاية ما يكون من جمع{[66197]} جميع الأشجار وحسن الدار ، وبين دوام ريها بقوله : { تجري } وبين انكشاف كثير من أرضها بقوله : { من تحتها } أي{[66198]} تحت غرفها { الأنهار } أو هو{[66199]} كناية عن أن أرضها في غاية الري بحيث إن ساكنها يجري في أي موضع أراد نهراً ، و{[66200]}إلى زيادة عظمتها أشارت قراءة نافع وابن عامر بنون العظمة{[66201]} .

ولما أفرد الشرط والجزاء إجراء على لفظ " من " إشارة إلى أنه لا يشترط في{[66202]} الإيمان ولا في{[66203]} جزائه مشاركة أحد ، وأنه لا توقف للقبول{[66204]} على شيء غير الوصف المذكور ، جمع الحال بشارة بأن الداخلين كثير ، وأن الداخل{[66205]} إلى دار الكرامة لا يحصل له{[66206]} هوان بعد ذلك أصلاً فقال : { خالدين فيها } وأكد معنى الخلود ليفهم الدوام بلا انقضاء فقال : { أبداً } ولما أعلم أن الخلود لكل الداخلين إلى الجنة رجع إلى الأسلوب الأول تنصيصاً على كل فرد إبلاغاً في عظمة هذا الجزاء بقوله نتيجة لذلك ، منبهاً على أن هذه النتيجة من حقها أن يتوقع قولها من{[66207]} كل من سمع هذه البشرى : { قد أحسن الله } أي الملك الأعلى ذو الجلال والإكرام { له } أي خاصة { رزقاً * } أي عظيماً عجيباً ، قال القشيري : الرزق الحسن ما كان على حد الكفاية لا نقصان فيه يتعطل عن أموره بسببه ولا زيادة تشغله عن الاستمتاع بما رزق لحرصه ، كذلك أرزاق القلوب أحسنها أن يكون له من الأحوال ما يستقل بها عن غير نقصان ولا يتعذب بتعطشه{[66208]} ولا يكون زيادة فيكون على خطر من مغاليط لا يخرج منها إلا بتأييد من الله سماوي .


[66175]:- من ظ وم، وفي الأصل: صورة.
[66176]:- من ظ وم، وفي الأصل: لا.
[66177]:-زيد في الأصل: الرجل، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66178]:- من ظ وم، وفي الأصل: يبالغ.
[66179]:- من ظ وم، وفي الأصل: المراسلات.
[66180]:- من ظ وم، وفي الأصل: قالوا.
[66181]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[66182]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[66183]:- من ظ وم، وفي الأصل: الذميمة.
[66184]:-زيد في الأصل: في، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66185]:- من ظ وم، وفي الأصل: طريق.
[66186]:- زيد من ظ وم.
[66187]:- زيد من ظ وم.
[66188]:- من ظ وم، وفي الأصل: بإخراج.
[66189]:- زيد من ظ وم.
[66190]:-زيد من ظ وم.
[66191]:- من ظ وم، وفي الأصل: قدم.
[66192]:- في ظ وم: بركة.
[66193]:-من ظ وم، وفي الأصل: منافعه.
[66194]:- من ظ وم، وفي الأصل: قدم.
[66195]:- من م، وفي الأصل وظ: ينتج.
[66196]:- من م، وفي الأصل: ينتج، وفي ظ: يتيح.
[66197]:-زيد من ظ وم.
[66198]:- زيد في الأصل: من، ولم تكن الزيادة في ظ وم فحذفناها.
[66199]:- زيد من ظ وم.
[66200]:- زيد من ظ وم.
[66201]:- راجع نثر المرجان 7/ 298.
[66202]:- زيد من ظ وم.
[66203]:- زيد من ظ وم.
[66204]:- من ظ وم، وفي الأصل: المقبول.
[66205]:- من ظ وم، وفي الأصل: الداخلين.
[66206]:- من ظ وم، وفي الأصل: لهم.
[66207]:- زيد من ظ و م.
[66208]:- من ظ وم، وفي الأصل: من تعطشه.