تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{رَّسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَٰتٖ لِّيُخۡرِجَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ قَدۡ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ لَهُۥ رِزۡقًا} (11)

الآية 11 وقوله تعالى : { قد أنزل الله إليكم ذكرا } { رسولا } له وجهان :

أحدهما : أن يجعل الذكر والرسول [ كلمة واحدة ]{[21522]} فيقول { أنزل الله إليكم ذكرا } وهو الرسول . وإنما سماه ذكرا لوجهين :

أحدهما : أن من اتبعه شرف ، وصار مذكورا .

و[ الثاني ] {[21523]} : سماه ذكرا لأنه يذكّرهم الصالح والضار وما يرجع إلى دينهم وعقباهم .

والثاني{[21524]} : يجوز أن يكون فيه إضمار ، وقوله تعالى : أن يقول : أنزل الله إليكم رسولا .

وقوله تعالى : { يتلوا عليكم آيات الله مبينات } [ بالخفض والنصب ]{[21525]} .

فمن قرأ{ مبينات } بالخفض فمعناه أنها تبين الحلال والحرام والأمر والنهي .

ومن قرأ بالنصب فكأنه يريد أن الله تعالى أوضح آياته ، وبيّنها ، حتى إن من تفكّر فيها وفي جوهرها علم أنها من عند الله .

وقوله تعالى : { ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور } وإذا كان هذا هكذا فحق هذا الكلام أن يقول :

ليخرج الذين آمنوا{[21526]} من الظلمات إلى النور ، ولكن يحتمل أن يكون معناه ليخرج الذين يؤمنون على ما جاز أن يراد من

الماضي المستقبل . كقوله{[21527]} تعالى : { وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم } [ المائدة : 116 ] أي وإذ يقول الله : يا عيسى ابن مريم جاز ،

أن يراد من المستقبل الماضي . وهذا سائغ في اللغة .

ويحتمل أن يقول : ليخرج الذين آمنوا من ظلمات ، تحدث لهم بعد إيمانهم ، إلى النور ، والله أعلم .

وقيل : قوله : { الذين آمنوا } يعني الذين وحدوا الله تعالى ، وعظموه ، وبجّلوه [ ونزّهوه ]{[21528]} من معاني الشبه ، ووصفوه بالتعالي عن العبوب والآفات ، وعملوا في إيمانهم صالحا ، إذ{[21529]} خافوه ، ورجوه بإيمانهم ؛ وذلك عملهم الصالح في الإيمان ، وذلك معنى قوله : { أو كسبت في إيمانها خيرا } [ الأنعام : 158 ] ومعنى ذلك الكسب من التعظيم والتبجيل والرجاء والخوف في نفس الإيمان ، والله أعلم .

ويجوز أن يكون معنى قوله : { وعملوا الصالحات } في أداء الفرائض التي افترض الله عليهم .

وقوله تعالى : { قد أحسن الله له رزقا } أي طاعة في الدنيا وثوابا في الآخرة . وذلك معنى قوله عز وجل : { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } [ البقرة : 201 ] .

وفي هذه الآية دلالة أن من نال الإيمان فإنما ناله بفضل الله ورحمته ، لأنه لولا ذلك{[21530]} لم يكن ليمن الله تعالى عليه بذلك .


[21522]:في الأصل وم: وله واحدا
[21523]:في الأصل وم: أو.
[21524]:في الأصل وم: و.
[21525]:أدرج بعدها في الأصل وم: فمعناه أنها تبين الحلال والحرام والأمر والنهي، وأدرج بعد: والنصب: الآيات الأعلام والحجج، انظر معجم القراءات القرآنية ج 7/170.
[21526]:في الأصل و م: كفروا.
[21527]:في الأصل و م: وقوله.
[21528]:ساقطة من الأصل و م.
[21529]:في الأصل و م: إذا.
[21530]:في الأصل و م: هكذا.