فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{رَّسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَٰتٖ لِّيُخۡرِجَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ قَدۡ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ لَهُۥ رِزۡقًا} (11)

وقيل : إن { رسولاً } بدل من { ذكراً } ، وكأنه جعل الرسول نفس الذكر مبالغة . وقيل : إنه بدل منه على حذف مضاف من الأوّل تقديره : أنزل ذا ذكر رسولاً ، أو صاحب ذكر رسولاً . وقيل : إن رسولاً نعت على حذف مضاف : أي ذكراً ذا رسول ، فذا رسول نعت للذكر . وقيل : إن رسولاً بمعنى رسالة ، فيكون رسولاً بدلاً صريحاً من غير تأويل ، أو بياناً . وقيل : إن { رسولاً } منتصب على الإغراء ، كأنه قال : الزموا رسولاً . وقيل : إن الذكر هاهنا بمعنى الشرف كقوله : { لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كتابا فِيهِ ذِكْرُكُمْ } [ الأنبياء : 10 ] وقوله : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [ الزخرف : 44 ] . ثم بيّن هذا الشرف فقال : { رَسُولاً } وقد ذهب الأكثر إلى أن المراد بالرسول هنا محمد صلى الله عليه وسلم . وقال الكلبي : هو جبريل ، والمراد بالذكر القرآن ، ويختلف المعنى باختلاف وجوه الإعراب السابقة كما لا يخفى . ثم نعت سبحانه الرسول صلى الله عليه وسلم المذكور بقوله : { يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ آيات الله مبينات } أي حال كونها مبينات ، قرأ الجمهور : { مُبَيَّنَاتٍ } على صيغة اسم المفعول : أي بيّنها الله وأوضحها ، وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي على صيغة اسم الفاعل : أي الآيات تبيّن للناس ما يحتاجون إليه من الأحكام . ورجّح القراءة الأولى أبو حاتم وأبو عبيد لقوله : { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيات } [ آل عمران : 118 ] { لّيُخْرِجَ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنَ الظلمات إِلَى النور } اللام متعلقة ب { يتلو } أي ليخرج الرسول الذي يتلو الآيات الذين آمنوا وعملوا الصالحات من ظلمات الضلالة إلى نور الهداية ، ويجوز أن تتعلق اللام بأنزل ، فيكون المخرج هو الله سبحانه { وَمَن يُؤْمِن بالله وَيَعْمَلْ صالحاً } أي يجمع بين التصديق ، والعمل بما فرضه الله عليه مع اجتناب ما نهاه عنه { ندخله جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار } قرأ الجمهور : { يُدْخِلُهُ } بالتحتية ، وقرأ نافع وابن عامر بالنون ، وجمع الضمير في { خالدين فِيهَا أَبَداً } باعتبار معنى من ، ووحّده في { يدخله } باعتبار لفظها ، وجملة : { قَدْ أَحْسَنَ الله لَهُ رِزْقاً } في محل نصب على الحال من الضمير في خالدين على التداخل ، أو من مفعول يدخله على الترادف ، ومعنى { قَدْ أَحْسَنَ الله لَهُ رِزْقاً } أي وسع له رزقه في الجنة .

/خ12