فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{رَّسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَٰتٖ لِّيُخۡرِجَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ قَدۡ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ لَهُۥ رِزۡقًا} (11)

ثم نعت سبحانه الرسول المذكور بقوله :{ قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا } فيه أوجه .

أحدها : وإليه ذهب الزجاج والفارسي أنه منصوب بالمصدر المنون قبله ، لأنه ينحل بحرف مصدري وفعل ، كأنه قيل : إن ذكر رسولا .

الثاني ؛ أنه جعل نفس الذكر مبالغة فأبدل منه .

الثالث : أنه بدل منه على حذف مضاف من الأول تقديره أنزل ذا ذكر رسولا .

الرابع : كذلك إلا أن رسولا نعت لذلك المحذوف .

الخامس : أنه بدل منه على حذف مضاف من الثاني ، أي ذكرا ذا رسول .

السادس : أن يكون رسولا نعتا لذكرا على حذف مضاف ، أي ذكرا للرسول ، فذا رسول نعت لذكرا .

السابع : أن يكون رسولا بمعنى رسالة ، فيكون رسولا بدلا صريحا من غير تأويل ، أو بيانا عند من يرى جريانه في النكرات كالفارسي ، إلا أن هذا يبعده قوله الآتي : { يتلو عليكم } لأن الرسالة لا تتلو إلا بمجاز .

الثامن : أن يكون رسولا منصوبا بفعل مقدر أي أرسل رسولا .

قال الزجاج : إنزال الذكر دليل على إضمار أرسل .

التاسع : أن يكون منصوبا على الإغراء أي اتبعوا وألزموا رسولا ، ذكره السمين . وقيل إن الذكر ههنا بمعنى الشرف كقوله : { لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم } ، وقوله : { وإنه لذكر لك ولقومك } ، ثم بين هذا الشرف فقال : { رسولا } ، واختلف الناس في رسولا ، هل هو النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أو القرآن نفسه ؟ أو جبريل ؟ فقد ذهب الأكثر ومنهم ابن عباس " إلى أن المراد بالرسول هنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال الكلبي : هو جبريل ، وبه قال الزمخشري ، والمراد بالذكر القرآن ، ويختلف المعنى باختلاف وجوه الإعراب السابقة كما لا يخفى ، ثم نعت سبحانه الرسول المذكور بقوله :

{ يتلو عليكم آيات الله مبينات } أي حال كونها واضحات ظاهرات قرأ الجمهور على صيغة اسم المفعول أي بينها الله وأوضحها ، وقرئ على صيغة اسم الفاعل ، أي الآيات تبين للناس ما يحتاجون إليه من الأحكام ، ورجح الأول أبو حاتم وأبو عبيدة ، لقوله : { قد بينا لكم الآيات } { ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات } بعد مجيء الذكر والرسول { من الظلمات إلى النور } اللام متعلقة بيتلو أي ليخرج الرسول الذي يتلو الآيات إياهم من ظلمات الضلالة إلى نور الهداية ، أو من الجهل إلى العلم ، أو من الكفر إلى الإيمان ، أو متعلقة بأنزل فيكون المخرج هو الله سبحانه .

{ ومن سيؤمن بالله ويعمل صالحا } أي يجمع بين التصديق والعمل بما فرضه الله عليه مع اجتناب ما نهاه عنه { يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار } قرأ الجمهور يدخله بالتحتية وقرئ بالنون وهي سبعية وعليها ففي الكلام التفات من الغيبة إلى التكلم وجمع الضمير في قوله : { خالدين فيها أبدا } باعتبار معنى { من } ووحدة في { ندخله } باعتبار لفظها { قد أحسن الله له رزقا } أي وسع له رزقه في الجنة التي لا ينقطع نعيمها ، وقيل : يرزقون طاعة في الدنيا وثوابا في الآخرة ، وقال القشيري : الحسن ما كان على حد الكفاية لا نقصان فيه يتعطل عن أموره بسببه ، ولا زيادة تشغله عن الاستمتاع بما رزق لحرصه ، كذلك أرزاق القلوب أحسنها أن يكون له من الأحوال ما يستقل بها من غير نقصان ، ولا زيادة لا يقدر على الاستمرار عليها ، ذكره الخطيب .