إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{رَّسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَٰتٖ لِّيُخۡرِجَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ قَدۡ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ لَهُۥ رِزۡقًا} (11)

قولِه تعالَى { رَسُولاً } منْهُ أو لأنَّه مذكورٌ في السماوات وفي الأممِ ، أو أُريدَ بالذكرِ الشرفُ كما في قولِه تعالَى : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لكَ وَلِقَوْمِكَ } [ سورة الزخرف ، الآية 44 ] كأنَّه في نفسِه شرفٌ إما لأنه شرفٌ للمنزلِ عليهِ وإما لأنَّه هو مجدٌ وشرفٌ عند الله تعالَى كقولِه تعالَى : { عِندَ ذِي العرش مَكِينٍ } [ سورة التكوير ، الآية 20 ] أو هُو النبيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ وعليهِ الأكثرُ عبرَ عنهُ بالذكرِ لمواظبتِهِ على تلاوةِ القرآنِ أو تبليغِهِ والتذكيرِ بهِ وعبرَ عن إرسالِهِ بالإنزالِ بطريقِ الترشيحِ أو لأنه مسببٌ عن إنزالِ الوَحيِ إليهِ ، وأُبدلَ منهُ رسولاً للبيانِ أو هو القرآنُ ورسولاً منصوبٌ بمقدرٍ مثلُ أرسلَ أوْ بذكرَا على إعمالِ المصدرِ المنونِ أو بدلٌ منْهُ على أنَّه بمعنى الرسالةِ وقولُه تعالى : { يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيات الله مبينات } نعتٌ لرسولاً وآياتُ الله القرآنُ ومبيناتٍ حالٌ منها أي حالَ كونِهَا مبيناتٍ لكُم ما تحتاجونَ إليهِ من الأحكامِ وقُرِئَ مبيَّناتٍ أي بينَها الله تعالَى لقولِه تعالَى : { قَدْ بَيَّنا لَكُمُ الآيات } [ سورة الحديد ، الآية 17 ] واللامُ في قولِه تعالَى : { ليُخْرِجَ الذين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالحات } متعلقةٌ بيتلُو أو بأنزلَ وفاعلُ يخرجَ على الأولِ ضميرُ الرسولِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ أو ضميرُ الجلالةِ ، والموصولِ عبارةٌ عنِ المؤمنينَ بعد إنزالهِ أي ليحصلَ لهم الرسولُ أو الله عزَّ وعلاَ ما هُم عليهِ الآنَ من الإيمانِ والعملِ الصالحِ أو ليخرجَ من علِمَ أو قدَّرَ أنَّه سيؤمنُ { مِنَ الظلمات إِلَى النور } من الضلالةِ إلى الهُدَى { وَمَن يُؤْمِن بالله وَيَعْمَلْ صالحا } حسبما بُينَ في تضاعيفِ ما أُنزلَ من الآياتِ المبيناتِ { يُدْخِلْهُ جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } وقُرِئَ نُدْخِلْهُ بالنون وقولُه تعالَى : { خالدين فِيهَا أَبَداً } حالٌ من مفعولِ يُدخلْهُ والجمعُ باعتبارِ مَعْنَى مَنْ كما أنَّ الإفرادَ في الضمائرِ الثلاثةِ باعتبارِ لفظِها . وقولُه تعالَى : { قَدْ أَحْسَنَ الله لَهُ رِزْقاً } حالٌ أُخرى منْهُ أو من الضميرِ في خالدينَ بطريقِ التداخلِ وإفرادُ ضميرِ لهُ قد مرَّ وجهُه وفيهِ مَعْنَى التعجبِ والتعظيمِ لما رزقَهُ الله المؤمنينَ من الثوابِ .