مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{رَّسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَٰتٖ لِّيُخۡرِجَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ قَدۡ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ لَهُۥ رِزۡقًا} (11)

/خ10

و{ يتلو عليكم آيات الله مبينات } بالخفض والنصب ، والآيات هي الحجج فبالخفض ، لأنها تبين الأمر والنبي والحلال والحرام ، ومن نصب يريد أنه تعالى أوضح آياته وبينها أنها من عنده .

وقوله تعالى :{ ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور } يعني من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ومن ظلمة الشبهة إلى نور الحجة ، ومن ظلمة الجهل إلى نور العلم .

وفي الآية مباحث :

الأولى : قوله تعالى : { فاتقوا الله يا أولي الألباب } يتعلق بقوله تعالى : { وكأين من قرية عتت عن أمر ربها } أم لا ؟ فنقول : قوله : { فاتقوا الله } يؤكد قول من قال : المراد من قرية أهلها ، لما أنه يدل على أن خطاب الله تعالى لا يكون إلا لذوي العقول فمن لا عقل له فلا خطاب عليه ، وقيل قوله تعالى : { وكأين من قرية } مشتمل على الترهيب والترغيب .

الثاني : الإيمان هو التقوى في الحقيقة وأولوا الألباب الذين آمنوا كانوا من المتقدمين بالضرورة فكيف يقال لهم : { فاتقوا الله } ؟ نقول : للتقوى درجات ومراتب فالدرجة الأولى هي التقوى من الشرك والبواقي هي التقوى من المعاصي التي هي غير الشرك فأهل الإيمان إذا أمروا بالتقوى كان ذلك الأمر بالنسبة إلى الكبائر والصغائر لا بالنسبة إلى الشرك .

الثالث : كل من آمن بالله فقد خرج من الظلمات إلى النور وإذا كان كذلك فحق هذا الكلام وهو قوله تعالى : { ليخرج الذين آمنوا } أن يقال : ليخرج الذين كفروا ؟ نقول : يمكن أن يكون المراد : ليخرج الذين يؤمنون على ما جاز أن يراد من الماضي المستقبل كما في قوله تعالى : { وإذ قال الله يا عيسى } أي وإذ يقول الله ، ويمكن أن يكون ليخرج الذين آمنوا من ظلمات تحدث لهم بعد إيمانهم .

قوله تعالى : { ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا ، الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما } .

قوله : { ومن يؤمن بالله } فيه معنى التعجب والتعظيم لما رزق الله المؤمن من الثواب ، وقرئ { يدخله } بالياء والنون ، و { قد أحسن الله له رزقا } قال الزجاج : رزقه الله الجنة التي لا ينقطع نعيمها ، وقيل : { رزقا } أي طاعة في الدنيا وثوابا في الآخرة ونظيره { ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار } .