روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{رَّسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَٰتٖ لِّيُخۡرِجَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ قَدۡ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ لَهُۥ رِزۡقًا} (11)

وقوله تعالى : { رَسُولاً } بدلاً منه ؛ وعبر عن إرساله بالإنزال ترشيحاً للمجاز ، أو لأن الإرسال مسبب عنه فيكون { أَنَزلَ } [ الطلاق : 10 ] مجازاً مرسلاً ، وقال أبو حيان : الظاهر أن الذكر هو القرآن ، والرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم فإما أن يجعل نفس الذكر مجازاً . أو يكون بدلاً على حذف مضاف أي ذكر رسول ، وقيل : هو نعت على حذف ذلك أي ذا رسول ، وقيل : المضاف محذوف من الأول أي ذا ذكر { رَسُولاً } فيكون { رَسُولاً } نعتاً لذلك المحذوف أو بدلاً ، وقيل : { رَسُولاً } منصوب بمقدر مثل أرسل رسولاً دل عليه أنزل ، ونحا إلى هذا السدي ، واختاره ابن عطية ، وقال الزجاج . وأبو علي : يجوز أن يكون معمولاً للمصدر الذي هو ذكر كما في قوله تعالى : { أَوْ إِطْعَامٌ في يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً } [ البلد : 14 ، 15 ] ، وقول الشاعر

: بضرب بالسيوف رؤوس قوم *** أزلنا هامهن عن المقيل

أي { أَنزَلَ الله } تعالى ذكره { رَسُولاً } على معنى أنزل الله عز وجل ما يدل على كرامته عنده وزلفاه ، ويراد به على ما قيل : القرآن وفيه تعسف ، ومثله جعل { رَسُولاً } بدلاً منه على أنه بمعنى الرسالة ، وقال الكلبي : الرسول ههنا جبريل عليه السلام ، وجعل بدلاً أيضاً من { ذِكْراً } [ الطلاق : 10 ] وإطلاق الذكر عليه لكثرة ذكره فهو من الوصف بالمصدر مبالغة كرجل عدل أو لنزوله بالذكر وهو القرآن ، فبينهما ملابسة نحو الحلول ، أو لأنه عليه السلام مذكور في السماوات وفي الأمم ، فالمصدر بمعنى المفعول كما في درهم ضرب الأمير ، وقد يفسر الذكر حينئذ بالشرف كما في قوله تعالى : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [ الزخرف : 44 ] فيكون كأنه في نفسه شرف إما لأنه شرف للمنزل عليه ، وإما لأنه ذو مجد وشرف عند الله عز وجل كقوله تعالى : { عِندَ ذِى العرش مَكِينٍ } [ التكوير : 20 ] وفي «الكشف » إذا أريد بالذكر القرآن وبالرسول جبريل عليه السلام يكون البدل بدل اشتمال ، وإذا أريد بالذكر الشرف وغيره يكون من بدل الكل فتدبر .

وقرئ رسول على إضمار هو ، وقوله تعالى : { يَتْلُواْ عَلَيْكُمْ ءايات الله مبينات } نعت لرسولاً وهو الظاهر ، وقيل : حال من اسم { الله } تعالى ، ونسبة التلاوة إليه سبحانه مجازية كبني الأمير المدينة ، و { الله إِلاَّ } القرآن ، وفيه إقامة الظاهر مقام المضمر على أحد الأوجه ، و { مبينات } حال منها أي حال كونها مبينات لكم ما تحتاجون إليه من الأحكام ، وقرئ { مبينات } أي بينها الله تعالى كقوله سبحانه : { قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الايات } [ آل عمران : 118 ] واللام في قوله تعالى : { لّيُخْرِجَ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات مِنَ الظلمات إلى النور } متعلق بأنزل أو بيتلو وفاعل يخرج على الثاني ضمير الرسول عليه الصلاة والسلام أو ضميره عز وجل ، والمراد بالموصول المؤمنون بعد إنزال الذكر وقبل نزول هذه الآية ؛ أو من علم سبحانه وقدر أنه سيؤمن أي ليحصل لهم الرسول أو الله عز وجل ماهم عليه الآن من الإيمان والعمل الصالح ، أو ليخرج من علم وقدر أنه يؤمن من أنواع الضلالات إلى الهدى ، فالمضي إما بالنظر لنزول هذه الآية أو باعتبار علمه تعالى وتقديره سبحانه الأزلي .

{ وَمَن يُؤْمِن بالله وَيَعْمَلْ صالحا } حسبما بين في تضاعيف ما أنزل من الآيات المبينات .

{ يُدْخِلْهُ جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الانهار } وقرأ نافع . وابن عامر ندخله بنون العظمة وقوله تعالى : { خالدين فِيهَا أَبَداً } حال من مفعول { يُدْخِلْهُ } والجمع باعتبار معنى من كما أن الأفراد في الضمائر الثلاثة باعتبار لفظها ، وقوله تعالى : { قَدْ أَحْسَنَ الله لَهُ رِزْقاً } حال أخرى منه أو من الضمير في { خالدين } بطريق التداخل ، وإفراد ضمير { لَهُ } باعتبار اللفظ أيضاً ، وفيه معنى التعجيب والتعظيم لما رزقه الله تعالى المؤمنين من الثواب وإلا لم يكن في الأخبار بما ذكر ههنا كثير فائدة كما لا يخفي .

واستدل أكثر النحويين بهذه الآية على جواز مراعاة اللفظ أولاً . ثم مراعات المعنى . ثم مراعات اللفظ ، وزعم بعضهم أن ما فيها ليس كما ذكر لأن الضمير في { خالدين } ليس عائداً على من كالضمائر قبل ، وإنماهو عائد على مفعول يدخل و { خالدين } حال منه ، والعامل فيها يدخل لا فعل الشرط وهو كما ترى .