البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{رَّسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ ٱللَّهِ مُبَيِّنَٰتٖ لِّيُخۡرِجَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ مِنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۚ وَمَن يُؤۡمِنۢ بِٱللَّهِ وَيَعۡمَلۡ صَٰلِحٗا يُدۡخِلۡهُ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَآ أَبَدٗاۖ قَدۡ أَحۡسَنَ ٱللَّهُ لَهُۥ رِزۡقًا} (11)

وقيل : { رسولاً } نعت على حذف مضاف ، أي ذكراً ، ذا رسول .

وقيل : المضاف محذوف من الأول ، أي ذا ذكر رسولاً ، فيكون رسولاً نعتاً لذلك المحذوف أو بدلاً .

وقيل : رسول بمعنى رسالة ، فيكون بدلاً من ذكر ، أو يبعده قوله بعده { يتلو عليكم } ، والرسالة لا تسند التلاوة إليها إلا مجازاً .

وقيل : الذكر أساس أسماء النبي صلى الله عليه وسلم .

وقيل : الذكر : الشرف لقوله : { وإنه لذكر لك ولقومك } فيكون رسولاً بدلاً منه وبياناً له .

وقال الكلبي : الرسول هنا جبريل عليه السلام ، وتبعه الزمخشري فقال : رسولاً هو جبريل صلوات الله وسلامه عليه ، أبدل من ذكراً لأنه وصف بتلاوة آيات الله ، فكان إنزاله في معنى إنزال الذكر ، فصح إبداله منه . انتهى .

ولا يصح لتباين المدلولين بالحقيقة ، ولكونه لا يكون بدل بعض ولا بدل اشتمال ، وهذه الأعاريب على أن يكون ذكراً ورسولاً لشيء واحد .

وقيل : رسولاً منصوب بفعل محذوف ، أي بعث رسولاً ، أو أرسل رسولاً ، وحذف لدلالة أنزل عليه ، ونحا إلى هذا السدي ، واختاره ابن عطية .

وقال الزجاج وأبو علي الفارسي : يجوز أن يكون رسولاً معمولاً للمصدر الذي هو الذكر . انتهى .

فيكون المصدر مقدراً بأن ، والقول تقديره : إن ذكر رسولاً وعمل منوناً كما عمل ، أو { إطعام في يوم ذي مسغبة يتيماً } كما قال الشاعر :

بضرب بالسيوف رءوس قوم *** أزلنا هامهن عن المقيل

وقرىء : رسول بالرفع على إضمار هو ليخرج ، يصح أن يتعلق بيتلو وبأنزل .

{ الذين آمنوا } : أي الذين قضى وقدر وأراد إيمانهم ، أو أطلق عليهم آمنوا باعتبار ما آل أمرهم إليه .

وقال الزمخشري : ليحصل لهم ما هم عليه الساعة من الإيمان والعمل الصالح ، لأنهم كانوا وقت إنزاله غير مؤمنين ، وإنما آمنوا بعد الإنزال والتبليغ . انتهى .

والضمير في { ليخرج } عائد على الله تعالى ، أو على الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو على الذكر .

{ ومن يؤمن } : راعى اللفظ أولاً في من الشرطية ، فأفرد الضمير في { يؤمن } ، { ويعمل } ، و { يدخله } ، ثم راعى المعنى في { خالدين } ، ثم راعى اللفظ في { قد أحسن الله له } فأفرد .

واستدل النحويون بهذه الآية على مراعاة اللفظ أولاً ، ثم مراعاة المعنى ، ثم مراعاة اللفظ .

وأورد بعضهم أن هذا ليس كما ذكروا ، لأن الضمير في { خالدين } ليس عائداً على من ، بخلاف الضمير في { يؤمن } ، { ويعمل } ، و { يدخله } ، وإنما هو عائد على مفعول { يدخله } ، و { خالدين } حال منه ، والعامل فيها { يدخله } لا فعل الشرط .