في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

وهي حال لا يتأتى معها كذب في الرؤية ، ولا تحتمل مماراة أو مجادلة : ( ما كذب الفؤاد ما رأى . أفتمارونه على ما يرى ? ) . . ورؤية الفؤاد أصدق وأثبت ، لأنها تنفي خداع النظر . فلقد رأى فتثبت فاستيقن فؤاده أنه الملك ، حامل الوحي ، رسول ربه إليه ، ليعلمه ويكلفه تبليغ ما يعلم . وانتهى المراء والجدال ، فما عاد لهما مكان بعد تثبت القلب ويقين الفؤاد .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

بل لقد رأى جبريلَ ببصرِه حقيقةً ، فلا العينُ أخطأت فيما رأت ، ولا القلبُ شكّ فيما رأت العين بل أيقنَ وجزم بصدقها .

قراءات :

قرأ هشام : ما كذّب بتشديد الدال . والباقون : ما كذَب بدون تشديد .

 
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير للجزائري - أبوبكر الجزائري [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

شرح الكلمات :

{ ما كذب الفؤاد ما رأى } : أي ما كذب فؤاد النبي ما رأى ببصره من صورة جبريل عليه السلام .

وقوله { ما كذب الفؤاد ما رأى } أي ما كذب فؤادُ محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه محمد ببصره وهو جبريل في صورته التي خلقه الله تعالى عليها ذات الستمائة جناح طول الجناح ما بين المشرق والمغرب .

/ذ18

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

{ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى } أي : اتفق فؤاد الرسول صلى الله عليه وسلم ورؤيته على الوحي الذي أوحاه الله إليه ، وتواطأ عليه سمعه وقلبه وبصره ، وهذا دليل على كمال الوحي الذي أوحاه الله إليه ، وأنه تلقاه منه تلقيا لا شك فيه ولا شبهة ولا ريب ، فلم يكذب فؤاده ما رأى بصره ، ولم يشك بذلك . ويحتمل أن المراد بذلك ما رأى صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به ، من آيات الله العظيمة ، وأنه تيقنه حقا بقلبه ورؤيته ، هذا [ هو ] الصحيح في تأويل الآية الكريمة ، وقيل : إن المراد بذلك رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه ليلة الإسراء ، وتكليمه إياه ، وهذا اختيار كثير من العلماء رحمهم الله ، فأثبتوا بهذا رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم لربه في الدنيا ، ولكن الصحيح القول الأول ، وأن المراد به جبريل عليه السلام ، كما يدل عليه السياق ، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته الأصلية [ التي هو عليها ] مرتين ، مرة في الأفق الأعلى ، تحت السماء الدنيا كما تقدم ، والمرة الثانية فوق السماء السابعة ليلة أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا قال :{ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى }

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

قوله تعالى : { ما كذب الفؤاد ما رأى } قرأ أبو جعفر { ما كذب } بتشديد الذال ، أي : ما كذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم الذي رأى بعينه تلك الليلة ، بل صدقه وحققه ، وقرأ الآخرون بالتخفيف ، أي : ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم الذي رأى بل صدقه ، يقال : كذبه إذا قاله له : الكذب ، وصدقه إذا قال له : الصدق ومجازه ما كذب الفؤاد فيما رأى ، واختلفوا في الذي رآه ، فقال قوم : رأى جبريل ، وهو قول ابن مسعود وعائشة .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا حفص هو ابن غياث عن الشيباني عن زر عن عبد الله قال :{ ما كذب الفؤاد ما رأى } قال : رأى جبريل وله ستمائة جناح . وقال آخرون : هو الله عز وجل . ثم اختلفوا في معنى الرؤية ، فقال بعضهم : جعل بصره في فؤاده فرآه بفؤاده ، وهو قول ابن عباس .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا وكيع ، حدثنا الأعمش عن زياد بن الحصين عن أبي العالية عن ابن عباس :{ ما كذب الفؤاد ما رأى ولقد رآه نزلة أخرى } قال : رآه بفؤاده مرتين . وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه ، وهو قول أنس والحسن وعكرمة ، قالوا : رأى محمد ربه ، وروى عكرمة عن ابن عباس قال : إن الله اصطفى إبراهيم بالخلة واصطفى موسى بالكلام واصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم بالرؤية . وكانت عائشة رضي الله عنها تقول : لم ير النبي صلى الله عليه وسلم ربه ، وتحمل الآية على رؤيته جبريل عليه السلام .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا يحيى بن وكيع عن إسماعيل بن خالد عن عامر عن مسروق قال : قلت لعائشة يا أماه هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه ؟ فقالت : لقد تكلمت بشيء قف له شعري مما قلت ، أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب ؟ من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب ، ثم قرأت : { لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير }( الأنعام-103 ) ، { وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب }( الشورى-51 ) ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ، ثم قرأت : { وما تدري نفس ماذا تكسب غدا } ( لقمان-34 ) ومن حدثك أنه كتم شيئاً فقد كذب ، ثم قرأت : { يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك }( المائدة-67 ) الآية ، ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أنبأنا عبد الغافر بن محمد ، أنبأنا محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة بن وكيع عن يزيد بن إبراهيم عن قتادة عن عبد الله بن شقيق عن أبي ذر قال : " سألت النبي صلى الله عليه وسلم : هل رأيت ربك ؟ قال : نور أنى أراه " .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

قوله تعالى : " ما كذب الفؤاد ما رأى " أي لم يكذب قلب محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج ، وذلك أن الله تعالى جعل بصره في فؤاده حتى رأى ربه تعالى وجعل الله تلك رؤية . وقيل : كانت رؤية حقيقة بالبصر . والأول مروي عن ابن عباس . وفي صحيح مسلم أنه رآه بقلبه . وهو قول أبي ذر وجماعة من الصحابة . والثاني قول أنس وجماعة . وروي عن ابن عباس أيضا أنه قال : أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم ، والكلام لموسى ، والرؤية لمحمد صلى الله عليه وسلم . وروي عن ابن عباس أيضا أنه قال : أما نحن بني هاشم فنقول إن محمدا رأى ربه مرتين . وقد مضى القول في هذا في " الأنعام{[14361]} " عند قوله : " لا تدركه " الأبصار وهو يدرك الأبصار " [ الأنعام : 103 ] . وروى محمد بن كعب قال : قلنا : يا رسول الله صلى الله عليك رأيت ربك ؟ قال : ( رأيته بفؤادي مرتين ) ثم قرأ : " ما كذب الفؤاد ما رأى " . وقول ثالث : أنه رأى جلاله وعظمته ، قاله الحسن . وروى أبو العالية قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ قال : ( رأيت نهرا ورأيت وراء النهر حجابا ورأيت وراء الحجاب نورا لم أر غير ذلك ) . وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ قال : ( نور أني أراه ) المعنى غلبني من النور وبهرني منه ما منعني من رؤيته . ودل على هذا الرواية الأخرى ( رأيت نورا ) . وقال ابن مسعود : رأى جبريل على صورته مرتين . وقرأ هشام عن ابن عامر وأهل الشام " ما كذب " بالتشديد أي ما كذب قلب محمد ما رأى بعينه تلك الليلة بل صدقه . ف " ما " مفعول بغير حرف مقدر ؛ لأنه يتعدى مشددا بغير حرف . ويجوز أن تكون " ما " بمعنى الذي والعائد محذوف ، ويجوز أن يكون مع الفعل مصدرا . الباقون مخففا ، أي ما كذب فؤاد محمد فيما رأى ، فأسقط حرف الصفة . قال حسان رضي الله عنه :

لوكنتِ صادقة الذي حدثتِني *** لنجوتِ منجى الحارث بن هشام

أي في الذي حدثتني . ويجوز أن يكون مع الفعل مصدرا . ويجوز أن يكون بمعنى الذي ، أي ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم الذي رأى .


[14361]:راجع جـ 7 ص 54.
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

{ ما كذب الفؤاد ما رأى } أي : ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه بعينه بل صدق بقلبه أن الذي رآه بعينه حق والذي رأى هو جبريل يعني : حين رآه بمقدار ملأ الأفق ، وقيل : رأى ملكوت السموات والأرض ، والأول : أرجح لقوله : { ولقد رآه نزلة أخرى } وقيل : الذي رآه هو الله تعالى ، وقد أنكرت ذلك عائشة ، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك فقال : " نور أنى أراه " .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{مَا كَذَبَ ٱلۡفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ} (11)

ولما أثبت هذا الكلام ما أثبت من القرب من النبي صلى الله عليه وسلم ممن أوحى إليه على كلا التقديرين ، قرره على وجه أفاد الرؤية فقال : { ما كذب الفؤاد } أي القلب الذي هو في غاية الذكاء والاتقاد { ما رأى } البصر أي حين رؤية البصر كان القلب ، لا أنها رؤية بصر فقط تمكن فيها - للخلو{[61688]} - عن حضور القلب - النسبة إلى الغلط ، وقال القشيري ما معناه : ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه بصره ، بل رآه على الوصف الذي علمه قبل أن رآه فكان علمه حق اليقين ، وفي صحيح مسلم " عن أبي ذر رضي الله{[61689]} عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم " هل رأيت ربك ؟ قال :نور إليّ أراه " ، وفي صحيح مسلم أيضاً{[61690]} " عن مسروق أنه قال لعائشة رضي الله عنها لما أنكرت الرؤية : ألم يقل الله تعالى { ولقد رآه بالأفق المين } و { لقد رآه نزلة أخرى } فقالت : أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " إنما هو جبرئيل عليه السلام ، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين ، رأيته منهبطاً من السماء ساداً عظم خلقه ما بين السماء والأرض " قال البغوي{[61691]} : وذهب جماعة إلى أنه رآه فقال بعضهم : جعل بصره في فؤاده ، ثم روي من صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : " رآه بفؤاده مرتين " وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه وهو قول أنس رضي الله عنه{[61692]} ، وقال ابن برجان ما معناه : إن النوم والصعق من آيات الله على لقاء الله وهي مقدمات لذلك ، ولكل حقيقة حق يتقدمها كأشراط الساعة ، والإسراء وإن لم يكن موتاً ولا صعقاً ولا نوماً على أظهر الوجوه فقد خرج عن مشاهدات الدنيا إلى مشاهدات الأفق الأعلى فلا تنكر الرؤية هنالك ، فالإسراء حالة غير حالة الدنيا ، بل هي من أحوال الآخرة وعالم الغيب - والله الهادي .


[61688]:- في الأصل: الحلو-كذا.
[61689]:- راجع 1/99 (كتاب الإيمان).
[61690]:- راجع 1/ 98 (كتاب الإيمان).
[61691]:- في المعالم بهامش اللباب 6/ 214.
[61692]:- زيد في المعالم: والحسن وعكرمة.