( فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا ) . .
ذلك أن سنة الله قد جرت على أن لا تقبل التوبة بعد ظهور بأس الله : فهي توبة الفزع لا توبة الإيمان :
( سنة الله التي قد خلت في عباده ) . .
وسنة الله ثابتة لا تضطرب ولا تختلف ولا تحيد عن الطريق .
وعلى هذا المشهد العنيف . مشهد بأس الله يأخذ المكذبين . ومشهدهم يستغيثون ويفزعون ، ويعلنون كلمة الإذعان والتسليم . تختم السورة . فيتناسق هذا الختام مع جوها وظلها وموضوعها الأصيل .
ولقد مررنا في ثنايا السورة بقضايا العقيدة التي تعالجها السور المكية : قضية التوحيد ، وقضية البعث ، وقضية الوحي . . ولكنها لم تكن هي موضوع السورة البارز . إنما كانت المعركة بين الحق والباطل ، والإيمان والكفر ، والصلاح والطغيان ، هي البارزة ، وكانت ملامح المعركة هي التي ترسم " شخصية السورة " . . وسماتها المميزة لها بين سور القرآن . . .
{ فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا } : أي عذابنا الشديد النازل بهم .
قال تعالى { فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا } أي شديد عذابنا { سنة الله التي قد خلت في عبادة } وأخبر تعالى أن هذه سنة من سننه في خلقه وهي أن الإيمان لا ينفع عند معاينة العذاب إذ لو كان يقبل الإِيمان عند رؤية العذاب وحلوله لما كفر كَافر ولما دخل النار أحد . وقوله { وخسر هنالك } أي عند رؤية العذاب وحلوله { الكافرون } أي المكذبون المستهزئون .
" فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا " فلم ينفعهم إيمانهم بالله عند معاينة العذاب وحين رأوا البأس . " سنة الله التي قد خلت في عباده " " سنة الله " مصدر ؛ لأن العرب تقول : سن يسن سنا وسنة ، أي سن الله عز وجل في الكفار أنه لا ينفعهم الإيمان إذا رأوا العذاب . وقد مضى هذا مبينا في " النساء " {[13408]} و " يونس " {[13409]} وأن التوبة لا تقبل بعد رؤية العذاب وحصول العلم الضروري . وقيل : أي احذروا يا أهل مكة سنة الله في إهلاك الكفرة ف " سنة الله " منصوب على التحذير والإغراء . " وخسر هنالك الكافرون " قال الزجاج : وقد كانوا خاسرين من قبل ذلك إلا أنه بين لنا الخسران لما رأوا العذاب . وقيل : فيه تقديم وتأخير ، أي " لم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا " " وخسر هنالك الكافرون " كسنتنا في جميع الكافرين ف " سنة " نصب بنزع الخافض أي كسنة الله في الأمم كلها . والله أعلم .
ولما كان الكفر بالغيب سبباً لعدم قبول الإيمان عند الشهادة قال : { فلم يك } أي لم يصح ولم يقبل بوجه من الوجوه لأنه لا كون يساعد على ذلك ولا بأدنى درجات الكون ، فأشار بكان إلى أن هذا أمر مستقر وشأن مستمر لكل أمة ليس خاصاً بالمحدث عنهم ، ومن مضى قبلهم وبحذف لام الكلمة إلى أنهم أمعنوا في الترقق بتقرير الإيمان وتكريره وتصريحه في إطلاقه وتسريحه ، والوقت ضيق والمجال حصير ، وقد أزفت الآزفة ، ليس لها من دون الله كاشفة ، فلم يكونوا لفوات الوقت موفين بما طلب منهم { ينفعهم إيمانهم } أي يتجدد لهم نفعه بعد ذلك لأنه إيمان إلجاء واضطرار لا إيمان طواعية واختيار { لما رأوا } وأظهر موضع الإضمار زيادة في الترهيب فقال : { بأسنا } لإن الإيمان لا يتحقق ولا يتصور إلا مع الغيب ، وأما عند الشهادة فقد كشفت سريرته على أنه قد فاتت حقيقته وصورته ، فلو ردوا لعادوا ، ولو أتاهم بعد ذلك العذاب لانقادوا ، ولهذا السر قال تعالى صارفاً القول إلى الاسم المقتضي لمزج الحكمة بالعظمة : { سنت الله } أي سن الملك الأعظم المحيط علماً وقدرة ذلك في كل دهر سنة ، ولذا قال : { التي قد خلت في عباده } أن الإيمان بعد كشف الغطاء لا يقبل ، وكل أمة كذبت الرسل أهلكت ، وكل من أجيب إلى الإيمان المقترحة فلم يؤمن عذب ، سنها سنة وأمضاها عزمة ، فلا غير لها ، فربح إذ ذاك المؤمنون { وخسر } أي هلك أو تحقق وتبين أنه خسر . ولما كان المكان لا ينفك عن الزمان ، استعير ظرفه له وليدل على غاية التمكن فقيل : { هنالك } أي في ذلك الوقت العظيم الشأن بما كان فيه وكان { الكافرون * } أي العريقون في هذا الوصف فلا انفكاك بينهم وبينه ، وقد التف آخرها بما بين من كمال العزة وتمام القدرة وشمول العلم مما رتب من أسباب الهداية والإضلال والإشقاء والإسعاد والنجاة والإهلاك بأولها أي التفاف ، واكتنفت البداية والنهاية بيان ذلك مع ما اشتمل عليه الوسط أيضاً منه أعظم اكتناف ، فسبحان من هذا إنزاله ، وتبارك اسمه وجل جلاله ، ولا إله سواه ولا حول ولا قوة إلا بالله - رب سهل يا كريم .
وقد التف آخرها بما بين من كمال العزة وتمام القدرة وشمول العلم مما رتب من أسباب الهداية والإضلال والإشقاء والإسعاد والنجاة والإهلاك بأولها أي التفاف ، واكتنفت البداية والنهاية بيان ذلك مع ما اشتمل عليه الوسط أيضاً منه أعظم اكتناف ، فسبحان من هذا إنزاله ، وتبارك اسمه وجل جلاله ، ولا إله سواه ولا حول ولا قوة إلا بالله - رب سهل يا كريم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.