في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ لِلۡحَوَارِيِّـۧنَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِۖ فَـَٔامَنَت طَّآئِفَةٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٞۖ فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُواْ ظَٰهِرِينَ} (14)

فهذا هو ذا يختم السورة بنداء جديد ، يحمل طابعا جديدا ، وإغراء جديدا ، وموحيا جديدا :

يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله ، كما قال عيسى بن مريم للحواريين : من أنصاري إلى الله ? قال الحواريون : نحن أنصار الله . فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة . فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين . .

والحواريون هم تلاميذ المسيح - عليه السلام - قيل : الاثنا عشر الذين كانوا يلوذون به ، وينقطعون للتلقي عنه . وهم الذين قاموا بعد رفعه بنشر تعاليمه وحفظ وصاياه .

والآية هنا تهدف إلى تصوير موقف لا إلى تفصيل قصة ، فنسير نحن معها في ظلالها المقصودة إلى الغاية من سردها في هذا الموضع من السورة .

( يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله ) . . في هذا الموضع الكريم الذي يرفعكم إليه الله . وهل أرفع من مكان يكون فيه العبد نصيرا للرب ? ! إن هذه الصفة تحمل من التكريم ما هو أكبر من الجنة والنعيم . . كونوا أنصار الله ، ( كما قال عيسى بن مريم للحواريين : من أنصاري إلى الله ? قال الحواريون : نحن أنصار الله ) . . فانتدبوا لهذا الأمر ونالوا هذا التكريم . وعيسى جاء ليبشر بالنبي الجديد والدين الأخير . . فما أجدر أتباع محمد أن ينتدبوا لهذا الأمر الدائم ، كما انتدب الحواريون للأمر الموقوت ! وهذه هي اللمسة الواضحة في عرض هذا الحوار في هذا السياق .

وماذا كانت العاقبة ?

( فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة ، فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين ) . .

وتأويل هذا النص يمكن أن ينصرف إلى أحد معنيين : إما أن الذين آمنوا برسالة عيسى عليه السلام هم المسيحيون إطلاقا من استقام ومن دخلت في عقيدته الانحرافات ، وقد أيدهم الله على اليهود الذين لم يؤمنوا به أصلا كما حدث في التاريخ . وإما أن الذين آمنوا هم الذين أصروا على التوحيد في وجه المؤلهين لعيسى والمثلثين وسائر النحل التي انحرفت عن التوحيد . ومعنى أنهم أصبحوا ظاهرين أي بالحجة والبرهان . أو أن التوحيد الذي هم عليه هو الذي أظهره الله بهذا الدين الأخير ؛ وجعل له الجولة الأخيرة في الأرض كما وقع في التاريخ . وهذا المعنى الأخير هو الأقرب والأرجح في هذا السياق .

والعبرة المستفادة من هذه الإشارة ومن هذا النداء هي العبرة التي أشرنا إليها ، وهي استنهاض همة المؤمنين بالدين الأخير ، الأمناء على منهج الله في الأرض ، ورثة العقيدة والرسالة الإلهية . المختارين لهذه المهمة الكبرى . استنهاض همتهم لنصرة الله ونصرة دينه ( كما قال عيسى بن مريم للحواريين : من أنصاري إلى الله ? قال الحواريون : نحن أنصار الله ) . . والنصر في النهاية لأنصار الله المؤمنين .

إنها الجولة الأخيرة في السورة ، واللمسة الأخيرة في السياق ؛ وهي ذات لون وذات طعم يناسبان جو السورة وسياقها ، مع ما فيها من تجدد في اللون وتنوع في المذاق . .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ لِلۡحَوَارِيِّـۧنَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِۖ فَـَٔامَنَت طَّآئِفَةٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٞۖ فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُواْ ظَٰهِرِينَ} (14)

الحواريون : الأصفياء والخلاّن .

أنصار الله : الناصرون لدينه .

ظاهرين : غالبين .

ثم أمر الله تعالى المؤمنين أن يعملوا ويجدّوا ويكونوا أنصار الله في كل حين ، فلا يتخاذلوا ولا يتناحروا ويتحاربوا ، وأن لا يتوكلوا فيقعدوا ويطلبوا النصر ، بل عليهم أن يعملوا ويجاهدوا حتى يكتب الله لهم النصر . فقال : { يا أيها الذين آمَنُواْ كونوا أَنصَارَ الله } فاستعدّوا وأعدّوا من قوتكم ما استطعتم ، ولا تنتظروا من أعدائكم أن يحلّوا لكم قضيتكم وينصروكم .

وكيف ينصرونكم والبلاء منهم ، وهم الذين يدعمون عدوكم ويمدّونه بالمال والسلاح ! ! .

وخلاصة القول : كونوا أنصار الله في جميع أعمالكم وأقوالكم واستعدّوا دائما ، كما استجاب الحواريّون لعيسى .

{ فَآمَنَت طَّآئِفَةٌ مِّن بني إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الذين آمَنُواْ على عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُواْ ظَاهِرِينَ } ، وأنتم أيها المسلمون ، في هذا العصر إذا كنتم تريدون أن تبقوا في بلادكم وأن تستردوا الأراضي المقدسة وما اغتُصب من وطنكم ، على يد اليهود والدولة الكبرى حليفتهم والمؤيدة لهم ، فجاهدوا جهادا حقيقيا في سبيل الله ينصركم الله ، وتصبحوا ظاهرين غالبين .

قراءات :

قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو : كونوا أنصارا لله بالتنوين . وقرأ الباقون : كونوا أنصار الله بالإضافة . وقرأ نافع وحده : من أنصاريَ إلى الله بفتح الياء . والباقون : أنصاري إلى الله .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ لِلۡحَوَارِيِّـۧنَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِۖ فَـَٔامَنَت طَّآئِفَةٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٞۖ فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُواْ ظَٰهِرِينَ} (14)

أكد أمر الجهاد ، أي : كونوا حواريي نبيكم ليظهركم الله على من خالفكم كما أظهر حواريي عيسى على من خالفهم . وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع " أنصارا لله " بالتنوين . قالوا : لأن معناه اثبتوا وكونوا أعوانا لله بالسيف على أعدائه وقرأ الباقون من أهل البصرة والكوفة والشام " أنصار الله " بلا تنوين ، وحذفوا لام الإضافة من اسم الله تعالى . واختاره أبو عبيدة لقوله : { نحن أنصار الله } ولم ينون ، ومعناه كونوا أنصارا لدين الله . ثم قيل : في الكلام إضمار ، أي قل لهم يا محمد كونوا أنصار الله . وقيل : هو ابتداء خطاب من الله ، أي كونوا أنصارا كما فعل أصحاب عيسى فكانوا بحمد الله أنصارا وكانوا حواريين . والحواريون خواص الرسل . قال معمر : كان ذلك بحمد الله ؛ أي نصروه وهم سبعون رجلا ، وهم الذين بايعوه ليلة العقبة . وقيل : هم من قريش . وسماهم قتادة : أبا بكر وعمر وعلي وطلحة والزبير وسعد بن مالك وأبا عبيدة - واسمه عامر - وعثمان بن مظعون وحمزة بن عبد المطلب ، ولم يذكر سعيدا فيهم ، وذكر جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين .

قوله تعالى : { كما قال عيسى ابن مريم للحواريين } وهم أصفياؤه اثنا عشر رجلا ، وقد مضت أسماؤهم في " آل عمران{[14949]} " ، وهم أول من آمن به من بني إسرائيل ، قاله ابن عباس . وقال مقاتل : قال الله لعيسى إذا دخلت القرية فأت النهر الذي عليه القَصَّارُون{[14950]} فاسألهم النصرة ، فأتاهم عيسى وقال : من أنصاري إلى الله ؟ قالوا : نحن ننصرك . فصدقوه ونصروه ، { من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله } أي من أنصاري مع الله ، كما تقول : الذود إلى الذود إبل ، أي مع الذود . وقيل : أي من أنصاري فيما يقرب إلى الله ، { قال الحواريون نحن أنصار الله } وقد مضى هذا في آل عمران{[14951]} " { فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة } والطائفتان في زمن عيسى افترقوا بعد رفعه إلى السماء ، على ما تقدم في " آل عمران " بيانه . { فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين } { فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم } الذين كفروا بعيسى ، { فأصبحوا ظاهرين } أي غالبين . قال ابن عباس : أيد الله الذين آمنوا في زمن عيسى بإظهار محمد على دين الكفار . وقال مجاهد : أيدوا في زمانهم على من كفر بعيسى ، وقيل أيدنا الآن المسلمين على الفرقتين الضالتين ، من قال كان الله فارتفع ، ومن قال كان ابن الله فرفعه الله إليه ؛ لأن عيسى ابن مريم لم يقاتل أحدا ولم يكن في دين أصحابه بعده قتال ، وقال زيد بن علي وقتادة : " فأصبحوا ظاهرين " غالبين بالحجة والبرهان ؛ لأنهم قالوا فيما روي : ألستم تعلمون أن عيسى كان ينام والله لا ينام ، وأن عيسى كان يأكل والله تعالى لا يأكل ! . وقيل : نزلت هذه الآية في رسل عيسى عليه الصلاة والسلام . قال ابن إسحاق : وكان الذي بعثهم عيسى من الحواريين والأتباع فطرس وبولس إلى رومية ، واندراييس ومشى إلى الأرض التي يأكل أهلها الناس . وتوماس إلى أرض بابل من أرض المشرق . وفيلبس إلى قرطاجنة وهي أفريقية ، ويحنس إلى دقسوس قرية أهل الكهف . ويعقوبس إلى أورشليم وهي بيت المقدس ، وابن تلما إلى العرابية وهي أرض الحجاز . وسيمن إلى أرض البربر . ويهودا وبردس إلى الإسكندرية وما حولها{[14952]} فأيدهم الله بالحجة ، { فأصبحوا ظاهرين } أي عالين ، من قولك : ظهرت على الحائط أي علوت عليه ، والله سبحانه وتعالى اعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب{[14953]} .


[14949]:راجع جـ 4 ص 97، ويلاحظ أنه لم تذكر أسمائهم، بل ذكر سبب تسميتهم.
[14950]:القصار: محور الثياب ومبيضها راجع جـ 4 ص 97 وص 100.
[14951]:القصار: محور الثياب ومبيضها راجع جـ 4 ص 97 وص 100.
[14952]:يلاحظ أن هذا الأسماء وردت محرفة في نسخ الأصل، وأثبتناها كما وردت في تاريخ الطبري (جـ 3 قسم أول ص 737 طبع أوربا).
[14953]:ما بين المربعين ساقط من ح، ز، س، ط.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ لِلۡحَوَارِيِّـۧنَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِۖ فَـَٔامَنَت طَّآئِفَةٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٞۖ فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُواْ ظَٰهِرِينَ} (14)

{ يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين } .

{ يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصاراً لله } لدينه وفي قراءة بالإضافة ، { كما قال الخ المعنى : كما كان الحواريون كذلك الدال عليه قال :{ عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله } أي من الأنصار الذين يكونون معي متوجهاً إلى نصرة الله ، { قال الحواريون نحن أنصار الله } والحواريون أصفياء عيسى وهم أول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلاً من الحور وهو البياض الخالص وقيل كانوا قصارين يحورون الثياب ، أي يبيضونها ، { فآمنت طائفة من بني إسرائيل } بعيسى وقالوا إنه عبد الله رُفِع إلى السماء ، { وكفرت طائفة } لقولهم إنه ابن الله رفعه إليه فاقتتلت الطائفتان { فأيدنا } قوينا { الذين آمنوا } من الطائفتين { على عدوهم } الطائفة الكافرة ، { فأصبحوا ظاهرين } غالبين .