السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ لِلۡحَوَارِيِّـۧنَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِۖ فَـَٔامَنَت طَّآئِفَةٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٞۖ فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُواْ ظَٰهِرِينَ} (14)

{ يا أيها الذين آمنوا } أي : أقروا بذلك { كونوا } أي : بغاية جهدكم { أنصاراً لله } أي : لدينه ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو أنصاراً بالتنوين وجر اللام من الاسم الجليل وترقيقها ، والباقون بغير تنوين وتفخيم اللام . { كما } أي : كونوا لأجل أني ندبتكم أنا بقولي من غير واسطة ولذذتكم بخطابي مثل ما كان الحواريون أنصار الله حين { قال عيسى بن مريم } حين أرسلته إلى بني إسرائيل ناسخاً لشريعة موسى عليه السلام { للحواريين } أي : خلص أصحابه وخاصته منهم { من أنصاري إلى الله } أي : المحيط بكل شيء أي : انصروا دين الله تعالى مثل نصرة الحواريين لما قال لهم عيسى عليه السلام من أنصاري إلى الله ، أي : من ينصرني مع الله تعالى : { قال الحواريون } معلمين إنهم جادون في ذلك جداً لا مزيد عليه لعلمهم أن أجابته إجابة الله تعالى ، لأنه لا ينطق عن الهوى فليس كلامه إلا عن الله تعالى : { نحن } أي : بأجمعنا وكانوا اثني عشر رجلاً ، وهم أول من آمن بعيسى { أنصار الله } أي : الملك الأعلى القادر على تمام نصرنا ، ولو كان عدونا كل أهل الأرض .

ولما كان التقدير ثم دعوا كل من خالفهم من بني إسرائيل وبارزهم تسبب عنهم قوله تعالى : { فآمنت } أي : به { طائفة } أي : ناس منهم أهل الاستدارة لما لهم من الكثرة { من بني إسرائيل } قومه { وكفرت طائفة } أي : منهم ، وأصل الطائفة : القطعة من الشيء ، وذلك أنه لما رفع تفرق قومه ثلاث فرق :

فرقة قالوا : كان الله فارتفع .

وفرقة قالوا : كان ابن الله فرفعه إليه .

وفرقة قالوا : كان عبد الله ورسوله فرفعه إليه ، وهم المؤمنون .

واتبع كل فرقة منهم طائفة من الناس فاقتتلوا ، وظهرت الفرقتان الكافرتان على الفرقة المؤمنة حتى بعث الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم فظهرت الفرقة المؤمنة على الكافرة فذلك قوله تعالى : { فأيدنا } أي : قوينا بعد رفع عيسى عليه السلام { الذين آمنوا } أي : أقروا بالإيمان المخلص { على عدوهم } أي : الذين عادوهم لأجل إيمانهم { فأصبحوا } أي : صاروا بعد ما كانوا فيه من الذل { ظاهرين } أي : عالين غالبين قاهرين في أقوالهم وأفعالهم لا يخافون أحداً ولا يستخفون منه ، وروى المغيرة عن إبراهيم قال : فأصبحت حجة من آمن بعيسى عليه السلام ظاهرة بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم أن عيسى عليه السلام كلمة الله وعبده ورسوله .

ختام السورة:

وقول البيضاوي تبعاً للزمخشري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قرأ سورة الصف كان عيسى مصلياً عليه مستغفراً له ما دام في الدنيا وهو يوم القيامة رفيقه » حديث موضوع .