فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ لِلۡحَوَارِيِّـۧنَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِۖ فَـَٔامَنَت طَّآئِفَةٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٞۖ فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُواْ ظَٰهِرِينَ} (14)

ثم حض سبحانه المؤمنين على نصرة دينه فقال : { يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله } أي دوموا على ما أنتم عليه من نصرة الدين ، قرئ أنصارا لله بالتنوين ، وبالإضافة ، والرسم يحتمل القراءتين معا ، واختار أبو عبيدة الإضافة لقوله : { نحن أنصار الله } بالإضافة وهي سبعية ، واللام يحتمل أن تكون مزيد في المفعول لزيادة التقوية ، أو غير مزيدة والأول أظهر قال قتادة قد كان ذلك بحمد الله جاءه سبعون رجلا فبايعوه عند العقبة وآووه ونصروه حتى أظهر الله دينه .

{ كما قال عيسى ابن مريم للحواريين : من أنصاري إلى الله ؟ } أي انصروا دين الله مثل نصرة الحواريين ، لما قال لهم عيسى : من أنصاري إلى الله ؟ فقالوا نحن أنصار الله والكاف في كما نعت مصدر محذوف ، أي كونوا كونا كما قال ، قاله مكي ، وفيه نظر ، إذ لا يؤمنون بأن يكونوا كونا ، وقيل : الكاف في محل نصب على إضمار القول أي قلنا لهم ذلك كما قال عيسى ، وقيل : هو كلام محمول على معناه دون لفظه وإليه نحا الزمخشري والمعنى كونوا أنصار الله كما كان الحواريون أنصار عيسى حين قال لهم من أنصاري إلى الله وإلى بمعنى مع أي مع الله وقيل : التقدير من أنصاري فيما يقرب إلى الله ؟ قيل التقدير من أنصاري متوجها إلى نصرة الله وقد تقدم الكلام على هذا في سورة آل عمران .

{ قال الحواريون } هم أنصار المسيح وخلص أصحابه وأول من آمن به وكانوا اثني عشر رجلا ، وحواري الرجل صفيه وخالصه من الحور وهو البياض الخالص وقيل : كانوا قصارين يحورون الثياب أي يبيضونها وفي المختار التحوير تبييض الثياب .

{ نحن أنصار الله } من إضافة الوصف إلى مفعوله أي نحن الذين ننصر الله أي ننصر دينه .

" عن عبد الله بن أبي بكر بمن عمرو بن حزم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنفر الذين لقوه بالعقبة : أخرجوا إليّ اثني عشر منكم يكنون كفلاء على قومهم كما كفلت الحواريون بعيسى بن مريم " أخرجه ابن سعد وابن إسحاق و " عن محمود بن لبيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنقباء : إنكم كفلاء على قومكم ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم وأنا كفيل قومي قالوا : نعم " أخرجه ابن سعد .

{ فآمنت طائفة من بني إسرائيل } بعيسى عليه السلام ، { وكفرت طائفة } به وذلك لأنهم لما اختلفوا بعد رفعه تفرقوا وتقاتلوا فرقة قالت : كان الله فارتفع وفرقة قالت : كان ابن الله فرفعه إليه وفرقة قالت : كان عبد الله ورسوله فرفعه إليه وهم المؤمنون واتبع كل فرقة طائفة من الناس فاقتتلوا ، وظهرت الفرقتان الكافرتان حتى بعث الله محمّدا صلى الله عليه وسلم فظهرت الفرقة المؤمنة على الكافرة فذلك قوله تعالى : { فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم } أي قوينا المحقين منهم على المبطلين وقال ابن عباس : أي أيدنا الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته على عدوهم وقيل : المعنى فأيدنا الآن المسلمين على الفرقتين جميعا .

{ فأصبحوا ظاهرين } أي صاروا بعدما كانوا فيه من الذل غالبين قاهرين في أقوالهم وأفعالهم لا يخافون أحدا ولا يستخفون منه .