محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُونُوٓاْ أَنصَارَ ٱللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ٱبۡنُ مَرۡيَمَ لِلۡحَوَارِيِّـۧنَ مَنۡ أَنصَارِيٓ إِلَى ٱللَّهِۖ قَالَ ٱلۡحَوَارِيُّونَ نَحۡنُ أَنصَارُ ٱللَّهِۖ فَـَٔامَنَت طَّآئِفَةٞ مِّنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَكَفَرَت طَّآئِفَةٞۖ فَأَيَّدۡنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَىٰ عَدُوِّهِمۡ فَأَصۡبَحُواْ ظَٰهِرِينَ} (14)

{ يا ايها الذين ءامنوا كونوا أنصارا لله } أي أنصار الحق الذي أنزله وأمر به ، { كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله } أي من معي وجندي متوجها إلى نصرة الله { قال الحواريون نحن أنصار الله } أي ننصر دينه وما أمر به وندعوا إليه ونضحي لأجله حياتنا ، { فآمنت طائفة من بني إسرائيل } أي بعيسى عليه السلام ، ونهضت تدعو إلى ما بعث به وتنشر دعوته { وكفرت طائفة } أي برسالته والحق الذي معه { فأيدنا الذين ءامنوا على عدوهم } من اليهود والرومان الوثنيين ، { فأصبحوا ظاهرين } أي غالبين عليهم بالبراهين الواضحة ، والحجج الظاهرة والسلطة القاهرة وفيه بشارة للمؤمنين بالتأييد الرباني لهم ما داموا متناصرين على الحق مجتمعين عليه غير متفرقين عنه ولا متخاذلين كما وقع لسلفهم اتفقوا فملكوا وإلا فإذا تفرقوا هلكوا .

لطيفة : ليس التشبيه على ظاهره من تشبيه كون المؤمنين أنصار الله بقول عيسى إذ لا وجه لتشبيه الكون بالقول بل هو مؤول بجعل التشبيه باعتبار المعنى ، إما على تقدير قل لهم ، كما قال عيسى لظهوره فيه وانصباب الكلام إليه أو تقدير : كونوا أنصار الله كما كان الحواريون حين قال لهم عيسى : من أنصاري إلى الله ؟ .

قال الشهاب ف ( ما ) مصدرية ، وهي مع صلتها ظرف ، والأصل ككون الحواريين أنصارا وقت قول عيسى ثم حذف المظهرون وأقيم ظرفه مقامه وقد جعلت الآية من الاحتباك ، والأصل كونوا أنصار الله حين قال لكم النبي من أنصاري إلى الله ؟ كما كان الحواريون أنصار الله حين قال لهم عيسى من أنصاري إلى الله ؟ فحذف من كل منهما ما دل عليه المذكور في الآخر وهو كلام حسن انتهى .