ثم قال : { يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله } أي : لأنبيائه ولأوليائه ولدينه ، ومن أضاف " أنصارا " إلى الله احتج بقوله : " نحن أنصار الله " وهو اختيار أبي عبيد {[68425]} . فرد ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه .
وفي حرف عبد الله : " أنتم أنصار الله " بالإضافة والإيجاب {[68426]} ، وأيضا فإنه جمع مكسر ، وليس مثل ضاربين فيعمل وينون ، فكانت إضافته أولى ، ومن لم يضف قال بينهما فرق ، لأن الأول يراد به الاستقبال فهو مشابه لاسم الفاعل {[68427]} .
وحقه إذا أريد به الاستقبال التنوين ، والثاني أمر قد كان ، فلذلك أجمع فيه على أضافته .
وقوله : { كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله } {[68428]} الكاف من " كما " في موضع نصب نعت لمصدر محذوف ، والتقدير كونوا كونا {[68429]} [ كما {[68430]} ] {[68431]} .
وقيل : هي نعت للأنصار {[68432]} ، أي : كونوا أنصارا مثل أنصار عيسى {[68433]} .
قال قتادة : كانت لله أنصار من هذه الأمة تجاهد على كتابه وحقه .
ذكر لنا أنه بايع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة اثنان وسبعين رجلا من الأنصار ، وذكر لنا أن بعضهم قال : هل تدرون على ما {[68434]} تبايعون هذا الرجل ، إنكم تبايعونه على محاربة العرب كلها ويسلمون ، وذكر لنا أن بعضهم قال يا نبي الله اشترط لربك ولنفسكا شئت ، فقال أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ، وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما منعتم منه أنفسكم وأبناءكم قالوا فإذا فعلنا ذلك فما لنا يا نبي الله ، قال لكم النصر في الدنيا ، والجنة في الآخرة ، ففعلوا ، ففعل الله عز وجل {[68435]} بهم ذلك {[68436]} .
قال معمر : قال الحواريون يعني من أصحاب محمد ، نحن أنصار الله ، قال كلهم {[68437]} من قريش أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد {[68438]} وعبد الرحمن ابن عوف {[68439]} وأبو عبيدة بن الجراح وجعفر وحمزة وعثمان {[68440]} بن مظعون رضوان {[68441]} الله عليهم {[68442]} .
قال مجاهد : من أنصاري إلى الله : من يتبعني إلى الله {[68443]} .
قال ابن عباس : سموا حواريين لبياض ثيابهم {[68444]} .
وقال الضحاك : الحواريون هم الغسالون بالنبطية {[68445]} ، فيكونون على هذا في قوله " قال الحواريون " يعني به {[68446]} حواري عيسى {[68447]} .
قال الضحاك : هم غسالون مر بهم عيسى فآمنوا واتبعوه .
وقيل : الحواريون : صفوة الأنبياء {[68448]} ، ومنه قيل لما يختار من صفو الدقيق وخالصه : حوارى {[68449]} .
وقال القتبي : { من أنصاري إلى الله } أي : مع الله {[68450]} ، وهذا عند بعض العلماء لا يجوز كما لا يجوز " قمت إلى زيد " بمعنى " مع زيد " و " إلى " على بابها ، ومعناه {[68451]} : من يضم نصرته إياي إلى نصرة الله إياي ، فالمعنى : قال الحواريون نحن أنصار أنبياء الله على ما بعثهم {[68452]} به من الحق .
ثم قال تعالى : { فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة } يعني : بعيسى .
قال ابن عباس : لما أراد جل ذكره {[68453]} أن يرفع عيسى إلى السماء خرج إلى أصحابه وهم اثنا {[68454]} عشر في بيت ، فخرج إليهم من عين في البيت ورأسه يقطر ماء ، فقال لهم : إن منكم من سيكفر بي اثنتي عشرة مرة بعد أن آمن بي ، ثم قال : أيكم يلقى عليه شبهي {[68455]} فيقتل في مكاني ويكون معي في درجتي ، قال فقام شاب من أحدثهم سنا ، فقال أنا ، فقال أجلس ثم أعاد {[68456]} عليهم/ ، [ الثالثة {[68457]} ] ، فقال أنا قال نعم أنت ذلك ، فألقى عليه شبه عيسى ورفع عيسى من زاوية في البيت إلى السماء ، قال وجاء الطلب من اليهود فأخذوا شبهه {[68458]} ، فقتلوه وكفر {[68459]} به بعضهم اثنتي {[68460]} عشرة مرة بعد أن آمن به ، فتفرقوا ثلاثة {[68461]} فرق ، فقالت فرقة : كان الله فينا ما شاء ثم صعد إلى السماء وهم اليعقوبية ، وقالت فرقة كان فينا ابن الله ما شاء {[68462]} ثم رفع إليه وهم النسطورية ، وقالت فرقة كان عبد الله ورسوله ما شاء فينا ثم رفعه إليه وهم المسلمون ، فتظاهرت الفرقتان على المسلمة فقتلوها ، فلم يزل الإسلام طامسا حتى بعثه الله محمدا صلى الله عليه وسلم ، فآمنت طائفة من بني إسرائيل بمحمد صلى الله عليه وسلم وكفرت طائفة {[68463]} به .
وقيل : آمنت طائفة بعيسى صلى الله عليه وسلم {[68464]} وكفرت أخرى به {[68465]} .
ثم قال : { فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم } يعني : إظهار دين محمد على دين الكفرة .
قال قتادة : فتفرقوا أربع فرق بعد عيسى ، قالت طائفة هو الله وهم اليعقوبية {[68466]} . وقالت طائفة منهم هو ابنه ( تعالى عن ذلك وجل {[68467]} ) وهم الإسرائيلية .
وقالت طائفة منهم : أمه الإله وهو الله {[68468]} وهم النسطورية {[68469]} ، وقالت طائفة منهم {[68470]} : وهو عبد الله ورسوله ، وهم المسلمون .
ثم قال تعالى : { فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم } أي : قويناهم بالحجة الظاهرة أن عيسى روح الله وكلمته {[68471]} .
قال قتادة : الفرقة المسلمة للفرق : ألستم تعلمون أن عيسى كان ينام وأن الله لا ينام ، وأن عيسى كان يأكل وأن {[68472]} الله لا يأكل .
وقيل : المعنى : فقوينا الذين آمنوا من بني إسرائيل على عدوهم الذين كفروا منهم بمحمد صلى الله عليه وسلم {[68473]} بتصديق محمد عليه السلام {[68474]} إياهم أن عيسى / عبد الله ورسوله ، وتكذيبه {[68475]} من قال خلاف ذلك {[68476]} .
{ فأصبحوا ظاهرين } أي : فأصبحت الطائفة المؤمنة مستعلية بالحجة والبرهان على الكفار .
قال النخعي : أصبحت حجة من آمن بعيسى صلى الله عليه وسلم {[68477]} ظاهرة بتصديق محمد صلى الله عليه وسلم {[68478]} لهم بأن عيسى روح الله وكلمته {[68479]} .
وقيل : فأصبح من آمن مع عيسى عاليا على من كفر به .
يقال : ظهرت على الحائط بمعنى : علوت عليه {[68480]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.