في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبۡدِلَهُۥٓ أَزۡوَٰجًا خَيۡرٗا مِّنكُنَّ مُسۡلِمَٰتٖ مُّؤۡمِنَٰتٖ قَٰنِتَٰتٖ تَـٰٓئِبَٰتٍ عَٰبِدَٰتٖ سَـٰٓئِحَٰتٖ ثَيِّبَٰتٖ وَأَبۡكَارٗا} (5)

وكذلك دلاله الآية التالية ، وتفصيل صفات النساء اللواتي يمكن أن يبدل الله النبي بهن من أزواجه ولو طلقهن . مع توجيه الخطاب للجميع في معرض التهديد :

( عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات ، مؤمنات ، قانتات ، تائبات ، عابدات ، سائحات ، ثيبات وأبكارا ) . .

وهي الصفات التي يدعوهن إليها عن طريق الإيحاء والتلميح .

الإسلام الذي تدل عليه الطاعة والقيام بأوامر الدين . والإيمان الذي يعمر القلب ، وعنه ينبثق الإسلام حين يصح ويتكامل . والقنوت وهو الطاعة القلبية . والتوبة وهي الندم على ما وقع من معصية والاتجاه إلى الطاعة . والعبادة وهي أداة الاتصال بالله والتعبير عن العبودية له . والسياحة وهي التأمل والتدبر والتفكر في إبداع الله والسياحة بالقلب في ملكوته . وهن - مع هذه الصفات - من الثيبات ومن الأبكار . كما أن نساءه الحاضرات كان فيهن الثيب وفيهن البكر .

وهو تهديد لهن لا بد كان له ما يقتضيه من تأثير مكايداتهن في قلب رسول الله[ صلى الله عليه وسلم ] وما كان ليغضب من قليل !

وقد رضيت نفس النبي [ صلى الله عليه وسلم ] بعد نزول هذه الآيات ، وخطاب ربه له ولأهل بيته . واطمأن هذا البيت الكريم بعد هذه الزلزلة ، وعاد إليه هدوؤه بتوجيه الله سبحانه . وهو تكريم لهذا البيت ورعاية تناسب دوره في إنشاء منهج الله في الأرض وتثبيت أركانه .

وبعد فهذه صورة من الحياة البيتية لهذا الرجل الذي كان ينهض بإنشاء أمة ، وإقامة دولة ، على غير مثال معروف ، وعلى غير نسق مسبوق . أمة تنهض بحمل أمانة العقيدة الإلهية في صورتها الأخيرة ، وتنشئ في الأرض مجتمعا ربانيا ، في صورة واقعية يتأسى بها الناس .

وهي صورة من حياة إنسان كريم رفيع جليل عظيم . يزاول إنسانيته في الوقت الذي يزاول فيه نبوته . فلا تفترق هذه عن تلك ؛ لأن القدر جرى بأن يكون بشرا رسولا ، حينما جرى بأن يحمله الرسالة الأخيرة للبشر أو منهج الحياة الأخير .

إنها الرسالة الكاملة يحملها الرسول الكامل . ومن كمالها أن يظل الإنسان بها إنسانا . فلا تكبت طاقة من طاقاته البانية ، ولا تعطل استعدادا من استعداداته النافعة ؛ وفي الوقت ذاته تهذبه وتربيه ، وترتفع به إلى غاية مراقيه .

وكذلك فعل الإسلام بمن فقهوه وتكيفوا به ، حتى استحالوا نسخا حية منه . وكانت سيرة نبيهم وحياته الواقعية ، بكل ما فيها من تجارب الإنسان ، ومحاولات الإنسان ، وضعف الإنسان ، وقوة الإنسان ، مختلطة بحقيقة الدعوة السماوية ، مرتقية بها خطوة خطوة - كما يبدو في سيرة أهله وأقرب الناس إليه - كانت هي النموذج العملي للمحاولة الناجحة ، يراها ويتأثر بها من يريد القدوة الميسرة العملية الواقعية ، التي لا تعيش في هالات ولا في خيالات !

وتحققت حكمة القدر في تنزيل الرسالة الأخيرة للبشر بصورتها الكاملة الشاملة المتكاملة . وفي اختيار الرسول الذي يطيق تلقيها وترجمتها في صورة حية . وفي جعل حياة هذا الرسول كتابا مفتوحا يقرؤه الجميع . وتراجعه الأجيال بعد الأجيال . . .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبۡدِلَهُۥٓ أَزۡوَٰجًا خَيۡرٗا مِّنكُنَّ مُسۡلِمَٰتٖ مُّؤۡمِنَٰتٖ قَٰنِتَٰتٖ تَـٰٓئِبَٰتٍ عَٰبِدَٰتٖ سَـٰٓئِحَٰتٖ ثَيِّبَٰتٖ وَأَبۡكَارٗا} (5)

مسلمات : خاضعات لله بالطاعة .

مؤمنات : مصدقات بتوحيد الله .

قانتات : مواظبات على الطاعة .

تائبات : مقلعات عن الذنوب .

سائحات : صائمات وذاهبات في طاعة الله كل مذهب .

ثم حذّرها ألاّ تعودا لمثلِ ذلك بقوله :

{ عسى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً } .

احذرْنَ أيتها الزوجات ، من إيذاء رسول الله و التألُّب عليه ، والعملِ على

ما يسوؤه فإنه إذا أُحرِج يمكن أن يطلقكن ويبدله الله خيراً منكن في الدينِ والصلاح والتقوى . ولا شيءَ أشدُّ على المرأة من الطلاق . وفي هذا تنويهٌ كبير بشأن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبۡدِلَهُۥٓ أَزۡوَٰجًا خَيۡرٗا مِّنكُنَّ مُسۡلِمَٰتٖ مُّؤۡمِنَٰتٖ قَٰنِتَٰتٖ تَـٰٓئِبَٰتٍ عَٰبِدَٰتٖ سَـٰٓئِحَٰتٖ ثَيِّبَٰتٖ وَأَبۡكَارٗا} (5)

قوله تعالى : " عسى ربه إن طلقكن " قد تقدم في الصحيح أن هذه الآية نزلت على لسان عمر رضي الله عنه{[15147]} . ثم قيل : كل " عسى " في القرآن واجب ، إلا هذا . وقيل : هو واجب ولكن الله عز وجل علقه بشرط وهو التطليق ولم يطلقهن . " أن يبدله أزواجا خيرا منكن " لأنكن لو كنتن خيرا منهن ما طلقكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال معناه السدي . وقيل : هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم ، لو طلقهن في الدنيا أن يزوجه في الدنيا نساء خيرا منهن . وقرئ " أن يبدله " بالتشديد والتخفيف . والتبديل والإبدال بمعنى ، كالتنزيل والإنزال . والله كان عالما بأنه كان لا يطلقهن ، ولكن أخبر عن قدرته ، على أنه إن طلقهن أبدله خيرا منهن تخويفا لهن . وهو كقوله تعالى : " وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم{[15148]} " [ محمد : 38 ] . وهو إخبار عن القدرة وتخويف لهم ، لا أن في الوجود من هو خير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى : " مسلمات " يعني مخلصات ، قاله سعيد بن جبير . وقيل : معناه مسلمات لأمر الله تعالى وأمر رسوله . " مؤمنات " مصدقات بما أمرن به ونهين عنه . " قانتات " مطيعات . والقنوت : الطاعة . وقد تقدم{[15149]} . " تائبات " أي من ذنوبهن ، قاله السدي . وقيل : راجحات إلى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم تاركات لمحاب أنفسهن . " عابدات " أي كثيرات العبادة لله تعالى . وقال ابن عباس : كل عبادة في القرآن فهو التوحيد . " سائحات " صائبات ، قاله ابن عباس والحسن وابن جبير . وقال زيد بن أسلم وابنه عبدالرحمن ويمان : مهاجرات . قال زيد : وليس في أمة محمد صلى الله عليه وسلم سياحة إلا الهجرة . والسياحة الجولان في الأرض . وقال الفراء والقتبي وغيرهما : سمي الصائم سائحا لأن السائح لا زاد معه ، وإنما يأكل من حيث يجد الطعام . وقيل : ذاهبات في طاعة الله عز وجل ، من ساح الماء إذا ذهب . وقد مضى في سورة " التوبة{[15150]} " والحمد لله .

" ثيبات وأبكارا " أي منهن ثيب ومنهن بكر . وقيل : إنما سميت الثيب ثيبا لأنها راجعة إلى زوجها إن أقام معها ، أو إلى غيره إن فارقها . وقيل : لأنها ثابت إلى بيت أبويها . وهذا أصح ؛ لأنه ليس كل ثيب تعود إلى زوج . وأما البكر فهي العذراء ، سميت بكرا لأنها على أول حالتها التي خلقت بها . وقال الكلبي : أراد بالثيب مثل آسية امرأة فرعون ، وبالبكر مثل مريم بنة عمران .

قلت : وهذا إنما يمشي على قول من قال : إن التبديل وعد من الله لنبيه لو طلقهن في الدنيا زوجه في الآخرة خيرا منهن . والله أعلم .


[15147]:راجع ص 191 من هذا الجزء.
[15148]:راجع جـ 16 ص 258.
[15149]:راجع جـ 2 ص 86 وجـ 3 ص 213.
[15150]:راجع جـ 8 ص 269.
 
تفسير الجلالين للمحلي والسيوطي - تفسير الجلالين [إخفاء]  
{عَسَىٰ رَبُّهُۥٓ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبۡدِلَهُۥٓ أَزۡوَٰجًا خَيۡرٗا مِّنكُنَّ مُسۡلِمَٰتٖ مُّؤۡمِنَٰتٖ قَٰنِتَٰتٖ تَـٰٓئِبَٰتٍ عَٰبِدَٰتٖ سَـٰٓئِحَٰتٖ ثَيِّبَٰتٖ وَأَبۡكَارٗا} (5)

{ عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا }

{ عسى ربه إن طلقكن } أي طلق النبي أزواجه { أن يبدِّله } بالتشديد والتخفيف { أزواجاً خيراً منكن } خبر عسى والجملة جواب الشرط ولم يقع التبديل لعدم وقوع الشرط { مسلمات } مقرات بالإسلام { مؤمنات } مخلصات { قانتات } مطيعات { تائبات عابدات سائحات } صائمات أو مهاجرات { ثيبات وأبكاراً } .