في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَٰتِهِمۡۖ إِنۡ أُمَّهَٰتُهُمۡ إِلَّا ٱلَّـٰٓـِٔي وَلَدۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَيَقُولُونَ مُنكَرٗا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (2)

1

ثم يقرر أصل القضية ، وحقيقة الوضع فيها :

( الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم . إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم . وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا ، وإن الله لعفو غفور ) . .

فهو علاج للقضية من أساسها . إن هذا الظهار قائم على غير أصل . فالزوجة ليست أما حتى تكون محرمة كالأم . فالأم هي التي ولدت . ولا يمكن أن تستحيل الزوجة أما بكلمة تقال . إنها كلمة منكرة ينكرها الواقع . وكلمة مزورة ينكرها الحق . والأمور في الحياة يجب أن تقوم على الحق والواقع ، في وضوح وتحديد ، فلا تختلط ذلك الاختلاط ، ولا تضطرب هذا الاضطراب . . ( وإن الله لعفو غفور )فيما سلف من هذه الأمور .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَٰتِهِمۡۖ إِنۡ أُمَّهَٰتُهُمۡ إِلَّا ٱلَّـٰٓـِٔي وَلَدۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَيَقُولُونَ مُنكَرٗا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (2)

والظهار هنا : أن يقول الرجل لزوجته : أنت عليَّ كظهرِ أمي ، يريد أنها حرمت عليه كما تحرم أمه عليه .

منكرا : ينكره الدين ويأباه .

وزورا : كذبا لا حقيقة له .

وقد أبطل الإسلامُ هذه العادةَ ، فالذي يقول لزوجته أنت عليَّ كظهرِ أمي كلامُهُ باطل ، ولا تحرم زوجته عليه ولا تكون كأمه . فإن أمه هي التي ولدَتْهُ ، وإن الذين يستعملون هذه الألفاظ من الظهار { لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ القول وَزُوراً } يأباه اللهُ ورسوله .

فالله تعالى أبطلَ هذا الطلاق { وَإِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } لما سلَفَ من الذنوب ، وهذا من فضل الله ولطفه بعباده .

قراءات :

قرأ عاصم : يظاهرون من ظاهَرَ ، يظاهِر ، بكسر الهاء بغير تشديد . وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو يظَّهَّرون ، بفتح الظاء والهاء المشددتين من ظهَّر يظهر . وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي : يَظّاهرون بفتح الظاء المشددة بعدها ألف ، من اظّاهرَ يظاهر .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَٰتِهِمۡۖ إِنۡ أُمَّهَٰتُهُمۡ إِلَّا ٱلَّـٰٓـِٔي وَلَدۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَيَقُولُونَ مُنكَرٗا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (2)

{ الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ }

المظاهرة من الزوجة : أن يقول الرجل لزوجته : " أنت علي كظهر أمي " أو غيرها من محارمه ، أو " أنت علي حرام " وكان المعتاد عندهم في هذا لفظ " الظهر " ولهذا سماه الله " ظهارا " فقال : { الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ } أي : كيف يتكلمون بهذا الكلام الذي يعلم{[1002]}  أنه لا حقيقة له ، فيشبهون أزواجهم بأمهاتهم اللاتي ولدنهم ؟ ولهذا عظم الله أمره وقبحه ، فقال : { وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا } أي : قولا شنيعا ، { وزورا } أي : كذبا .

{ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ } عمن صدر منه بعض المخالفات ، فتداركها بالتوبة النصوح .


[1002]:- في ب: يعلمون.
 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ يُظَٰهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَآئِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَٰتِهِمۡۖ إِنۡ أُمَّهَٰتُهُمۡ إِلَّا ٱلَّـٰٓـِٔي وَلَدۡنَهُمۡۚ وَإِنَّهُمۡ لَيَقُولُونَ مُنكَرٗا مِّنَ ٱلۡقَوۡلِ وَزُورٗاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٞ} (2)

قوله تعالى : { الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللاّئي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور 2 والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسّا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير 3 فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم 4 } .

هذه الآية أصل الظهار ، وهو مشتق من الظهر . وذلك أن أهل الجاهلية كانوا إذا ظاهر أحدهم من امرأته قال لها أنت علي كظهر أمي . وقد كان الظهار في الجاهلية طلاقا فأرخص الله لهذه الأمة وجعل فيه كفارة ولم يجعله طلاقا كما كانوا عليه في جاهليتهم .

وقد أجمع الفقهاء على أن من قال لزوجته : أنت علي كظهر أمي أنه مظاهر . أما إن قال لها : أنت علي كظهر ابنتي أو أختي أو غيرهما من ذوات المحارم فإنه مظاهر كذلك في قول أكثر العلماء . وهو مذهب الإمامين مالك وأبي حنيفة وآخرين . وروي عن الشافعي قوله مثل ذلك . ووجهه أنه شبّه امرأته بظهر محرم عليه على التأبيد كالأم . وفي رواية عنه أخرى أنه لا يكون الظهار إلا بالأم وحدها .

على أن ألفاظ الظهار ضربان : صريح وكناية . أما الصريح فقوله لها : أنت علي كظهر أمي . أو أنت عندي وأنت مني وأنت معي كظهر أمي . وكذلك أنت علي كبطن أمي أو كرأسها أو فرجها أو نحو ذلك . وكذلك قوله لها : فرجك أو رأسك أو ظهرك أو بطنك أو رجلك علي كظهر أمي فهو مظاهر . كما لو قال لها : يدك أو رجلك أو رأسك أو فرجك طالق فإنها تطلق عليه . وهو قول المالكية والشافعية . أما الحنيفة فقالوا : إذا قال لها أنت عليّ كيد أمي أو كرأسها . أو ذكر شيئا يحل له النظر إليه منها لم يكن مظاهرا . وإن قال لها : أنت علي كبطنها أو فخذها ونحو ذلك كان مظاهرا ، لأنه لا يحل له النظر إليه كالظهر . أما الكناية فقوله لها : أنت علي كأمي أو مثل أمي فإنه ينظر إلى نيته . فإن أراد الظهار كان ظهار . وإن لم يرد الظهار لم يكن مظاهرا .

أما الظهار بغير ذوات المحارم كما لو ظاهر بالأجنبية فإنه ليس بشيء وهو قول الحنفية والشافعية وبعض المالكية . ووجه ذلك أن الأجنبية قد تحل له بتملك بعضها فتكون مثل زوجته وفي حكمها . وفي رواية عن مالك أن ذلك ظهار . وروي عنه أيضا أن الظهار بغير ذوات المحارم ليس بشيء .

أما النساء فليس عليهن ظهار وإنما الظهار على الرجال فقط ، لصريح قوله : { الذين يظاهرون منكم من نسائهم } ولم يقل " اللاتي يظاهرن منكن من أزواجهن " وقد ذهب إلى ذلك عامة أهل العلم . وعلى هذا لو قالت المرأة لزوجها : أنت علي كظهر أمي فلا تكون متظاهرة وليس ذلك بشيء .

واختلفوا فيما يحرمه الظهار . فقد ذهبت الحنفية والمالكية وآخرون إلى أن المظاهر لا يلمس ولا يقبّل ولا ينظر إلى فرجها لشهوة حتى يكفر . وقال مالك : لا ينظر إلى شعرها ولا إلى صدرها حتى يكفّر . وقيل : يأتيها فيما دون الفرج . ولو ظاهر من أربع نسوة في كلمة واحدة كان مظاهرا من كل واحدة منهن وليس له أن يطأ إحداهن حتى يكفر ، وتجزئه كفارة واحدة . وعند الإمام الشافعي أنه تلزمه أربع كفارات{[4474]} .

قوله : { ما هن أمهاتهم } يعني ما نساؤهم اللاتي يظاهرون منهن بأمهاتهم بل هن زوجاتهم وهن لهم حلال { إن أمهاتهم إلا اللاّئي ولدنهم } يعني ما أمهاتهم إلا اللائي ولدوا منهن أو والدتهم وليس اللائي ظاهروا منهن { وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا } منكرا وزورا منصوب على الوصف لمصدر محذوف وتقديره : وإنهم ليقولون قولا منكرا وقولا زورا{[4475]} يعني وإن هؤلاء الرجال المظاهرين ليقولون قولا مستقبحا لا تعرف صحته في الشرع { وزورا } أي كذبا { وإن الله لعفو غفور } الله يصفح عن ذنوب عباده ويستر عليهم سيئاتهم وقد جعل لهم الكفارة سبيلا للتخلص من هذه الخطيئة . وكذلك يعفو الله عما خرج من سبق اللسان ولم يقصد إليه المتكلم كما روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول لامرأته : يا أختي . فقال : " أختك هي ؟ " فهذا إنكار ولكن لم يحرمها عليه بمجرد ذلك ، لأنه لم يقصده ولو قصده لحرّمت عليه .


[4474]:أحكام القرآن للجصاص جـ 5 ص 309، 310 وتفسير القرطبي جـ 17 ص 274، 277 وتفسير ابن كثير جـ 4 ص 320، 321 وأحكام القرآن لابن العربي جـ 5 ص 1737 – 1739.
[4475]:البيان لابن الأنباري جـ 2 ص 426.