في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ٱسۡتُجِيبَ لَهُۥ حُجَّتُهُمۡ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ وَلَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٌ} (16)

وبعد وضوح القضية على هذا النحو ، واستجابة العصبة المؤمنة لله هذه الاستجابة ، يبدو جدل المجادلين في الله مستنكراً لا يستحق الالتفات ، وتبدو حجتهم باطلة فاشلة ليس لها وزن ولا حساب . فتنتهي هذه الفقرة بالفصل في أمرهم ، وتركهم لوعيد الله الشديد :

( والذين يحاجون في الله . من بعد ما استجيب له . حجتهم داحضة عند ربهم ، وعليهم غضب ، ولهم عذاب شديد ) . .

ومن تكون حجته باطلة مغلوبة عند ربه فلا حجة له ولا سلطان . ووراء الهزيمة والبطلان في الأرض ، الغضب والعذاب الشديد في الآخرة . وهو الجزاء المناسب على اللجاج بالباطل بعد استجابة القلوب الخالصة ؛ والجدل المغرض بعد وضوح الحق الصريح .

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ٱسۡتُجِيبَ لَهُۥ حُجَّتُهُمۡ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ وَلَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٌ} (16)

يحاجّون في الله : يخاصمون في دينه .

من بعد ما استُجيب له : من بعد ما آمن الناسُ واستجابوا له .

داحضة : باطلة ، زائفة .

ثم بين أن الذين يخاصِمون في دين الله من بعد ما استجاب الناس له ، حُجّتُهم باطلة ، لا ينبغي النظر إليها ، وعليهم غضبٌ من ربهم بسبب كفرهم ، ولهم عذابٌ شديد يوم القيامة .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ٱسۡتُجِيبَ لَهُۥ حُجَّتُهُمۡ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ وَلَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٌ} (16)

{ 16 } { وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ }

وهذا تقرير لقوله : لا حجة بيننا وبينكم ، فأخبر هنا أن { الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ } بالحجج الباطلة ، والشبه المتناقضة { مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ } أي : من بعد ما استجاب للّه أولو الألباب والعقول ، لما بين لهم من الآيات القاطعة ، والبراهين الساطعة ، فهؤلاء المجادلون للحق من بعد ما تبين { حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ } أي : باطلة مدفوعة { عِنْدَ رَبِّهِمْ } لأنها مشتملة على رد الحق وكل ما خالف الحق ، فهو باطل .

{ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ } لعصيانهم وإعراضهم عن حجج اللّه وبيناته وتكذيبها . { وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } هو أثر غضب اللّه عليهم ، فهذه عقوبة كل مجادل للحق بالباطل .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ٱسۡتُجِيبَ لَهُۥ حُجَّتُهُمۡ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ وَلَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٌ} (16)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: والذين يخاصمون في دين الله الذي ابتعث به نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم من بعد ما استجاب له الناس، فدخلوا فيه من الذين أورثوا الكتاب "حُجّتُهُمْ داحِضَةٌ "يقول: خصومتهم التي يخاصمون فيه باطلة ذاهبة عند ربهم "وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ" يقول: وعليهم من الله غضب، ولهم في الآخرة عذاب شديد، وهو عذاب النار.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

{والذين يحاجّون في الله من بعد ما استُجيب له حُجّتهم داحضة عند ربهم}؛ لأن التوحيد و معرفة الله تعالى إنما تكون بالدلائل والآيات في الدنيا عن غيب ليس بالمعاينة والمشاهدة ونزول الامتحان.

{والذين يُحاجّون في الله} في دفع آيات الله وردّها.

ويحتمل في دفع توحيد الله وألوهيته.

{من بعد ما استُجيب له} بحق الخلقة أنه واحد وأنه رب كل شيء.

ويحتمل قوله: {من بعد ما استُجيب له} بما في كتبهم من الإيمان بها وبما فيها من نعوت رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفاته.

ثم أخبر أن حجّتهم داحضة عند ربهم يوم القيامة أي باطلة غير مقبولة أو في الدنيا بما أقام الله تعالى من حجج التوحيد، فأبطل حُججهم.

{وعليهم غضب ولهم عذاب شديد} بيان الجزاء لهم في الآخرة.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وقوله: {والذين يحاجون في الله} قال ابن عباس ومجاهد إنها نزلت في طائفة من بني إسرائيل همت برد الناس عن الإسلام وإضلالهم ومجادلتهم بأن قالوا: كتابنا قبل كتابكم، ونبينا قبل نبيكم، فديننا أفضل، فنزلت الآية في ذلك، وقيل بل نزلت في قريش لأنها كانت أبداً تحاول هذا المعنى وتطمع في رد الجاهلية، و {يحاجون في الله} معناه في توحيد الله، أي يحاجون فيه بالإبطال والإلحاد وما أشبه، والضمير في: {له} يحتمل أن يعود على {الله} تعالى، أي بعد ما دخل في دينه، ويحتمل أن يعود على الدين والشرع، ويحتمل أن يعود على محمد عليه السلام. و: {داحضة} معناه: زاهقة. والدحض: الزلق.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما كان التقدير: فالذين رجعوا إليه طوعاً في هذه الدار بعد هذا البيان والإظهار، وتركوا الجدال، حجتهم ثابتة ولهم الرضا والنعيم المقيم، عطف عليه قوله مبتدئاً بالموصول ليصله بما يفهم التجدد والاستمرار: {والذين يحاجّون} أي يوردون تشكيكاً على دينه الحق من الشبه ما يسمونه حججاً، ولعل الإدغام يشير إلى أن أهل هذا الضرب منافقون يلقون شبههم في خفاء فتشربها قلوب أمثالهم فتصير أهوية؛ فيضعف أمرها ويؤيده تقييد الدحوض بما عند الرب.

{في الله} أي في دين الملك الأعظم ليعيدوا الناس بعدما دخلوا في نور الهدى إلى ظلام الضلال.

ولما كانت إقامة الحجة وإظهار المعجزة أمراً ملزماً لجميع من بلغه الاستجابة لوصول الأمر إلى حد من البيان سقط معه الجدال، قال معلماً إن ما كان في قوة الوجود يصح أن يطلق عليه أنه موجود، ومنبهاً بالجار على ذم هذا الجدال ولو قل زمنه:

{من بعدما} ولما كان المقصود مطلق الاستجابة لا من مجيب معين قال:

{استجيب له} أي استجاب له الرسول صلى الله عليه وسلم، وصار الناس كلهم بما يبين لهم مستجيبين بالقوة وإن لم يستجيبوا بالفعل، فإن الأمر قد ظهر غاية الظهور، ولم يبق إلا العناد، فهذه الجملة هي المراد والثمرة من قوله {لا حجة بيننا وبينكم}...

{داحضة} أي زالقة فهي ذاهبة غير ثابتة لأجل أنها في معارضة ما ظهوره كالشمس بل أجلى، والعبارة لفتٌ إلى صفة الإحسان، والعندية إشارة إلى شدة ظهور ما في حجتهم من الدحوض لأن {عند} للأمور الظاهرة المألوفة، وصفة التربية للعطف والرفق، والإضافة إلى ضميرهم تقتضي مزيد لطف وعطف، فهو إشارة إلى أنها هباء منثور عند تدقيق النظر، ولا سيما إذا كان بصفة عزة وقهر وغضب، فالمعنى أن دحوضها ظاهر جداً، ولو عوملوا بصفة الإحسان ولو خصوا بمزيد عطف وبر... والآية مشيرة إلى الانتصار على أهل الردة وضربهم بكل شدة لسوء منزلتهم عنده، كما كشف عنه الحال عند ندب الصديق إليهم بالقتال رضي الله عنه وأرضاه...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

بعد وضوح القضية على هذا النحو، واستجابة العصبة المؤمنة لله هذه الاستجابة، يبدو جدل المجادلين في الله مستنكراً لا يستحق الالتفات، وتبدو حجتهم باطلة فاشلة ليس لها وزن ولا حساب. فتنتهي هذه الفقرة بالفصل في أمرهم، وتركهم لوعيد الله الشديد: (والذين يحاجون في الله. من بعد ما استجيب له. حجتهم داحضة عند ربهم، وعليهم غضب، ولهم عذاب شديد).. ومن تكون حجته باطلة مغلوبة عند ربه فلا حجة له ولا سلطان. ووراء الهزيمة والبطلان في الأرض، الغضب والعذاب الشديد في الآخرة. وهو الجزاء المناسب على اللجاج بالباطل بعد استجابة القلوب الخالصة؛ والجدل المغرض بعد وضوح الحق الصريح.

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

عطف على جملة {وقل آمنت بما أنزل الله} [الشورى: 15] الخ، وهو يقتضي انتقال الكلام، فلما استوفى حظ أهل الكتاب في شأن المحاجّة معهم، رجع إلى المشركين في هذا الشأن بقوله: {والذين يحاجون في الله}. فالمقصود ب {الذين يحاجّون في الله من بعد ما استجيب له}: المشركون لأنهم يحاجّون في شأن الله وهو الوحدانية دون اليهود من أهل الكتاب فإنهم لا يحاجّون في تفرد الله بالإلهية.

وعن مجاهد أنه قال: {الذين يحاجون في الله} رجال طمعوا أن تعود الجاهلية بعد ما دَخل الناس في الإسلام. ووقع في كلام ابن عباس عند الطبري: أنّهم اليهود والنصارى.

فمعنى محاجتهم في الله محاجتهم في دين الله، أي إدخالهم على النّاس الشك في صحّة دين الإسلام أو في كونه أفضل من اليهودية والنصرانية. ومحاجتهم هي ما يُلبسوه به على المسلمين لإدخال الشك عليهم في اتّباع الإسلام كقول المشركين {ما لهذا الرّسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملَك فيكون معه نذيراً} [الفرقان: 7] وقولهم في الأصنام {هؤلاء شفعاؤنا عند الله} [يونس: 18 وكقول أهل الكتاب: نحن الذين على دين إبراهيم، وقولهم: كتابنا أسبق من كتاب المسلمين، والقرينةُ قوله {داحضة عند ربهم}.

وحذف فاعل {استجيب} إيجازاً لأن المقصود من بعد حصول الاستجابة المعروفة.

والداحضة: التي دَحَضت بفتح الحاء، يقال: دَحَضت رِجلُه تدحض (بفتح الحاء) دُحوضاً، أي زلت. استعير الدحض للبطلان بجامع عدم الثبوت كما لا تثبت القدَم في المكان الدَّحْضِ، ولم يبيَّن وجه دحضها اكتفاء بما بُيِّن في تضاعيف ما نَزل من القرآن من الأدلة على فساد تعدد الآلهة وعلى صدق الرّسول صلى الله عليه وسلم وعلى إمكان البعث، وبما ظهر للعيان من تزايد المسلمين يوماً فيوماً، وأمنهم من أن يُعتدى عليهم.

والغَضب: غضب الله، وإنما نكّر للدلالة على شدته. ولم يُحْتَجْ إلى إضافته إلى اسم الجلالة أو ضميره لظهور المقصود من قوله: {حجتهم داحضة عند ربهم} فالتقدير: وعليهم غضب منه. وإنما قدم المسند على المسند إليه بقوله: {وعليهم غضب} للاهتمام بوقوع الغضب عليهم كما هو مقتضى حرف الاستعلاء المَجازي.

وكذلك القول في {ولهم عذاب شديد}. ولعل المراد به عذاب السيف في الدّنيا بالقتل يوم بدر.

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ٱسۡتُجِيبَ لَهُۥ حُجَّتُهُمۡ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ وَلَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٌ} (16)

{ والذين يحاجون في الله } يخاصمون في دين الله نبيه عليه السلام { من بعد ما استجيب له } أجيب النبى عليه السلام إلى الدين فأسلموا ودخلوا في دينه { حجتهم داحضة عند ربهم } أي باطلة زائلة لأنهم يخاصمون صادقا في خبره قد ظهرت معجزته

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ٱسۡتُجِيبَ لَهُۥ حُجَّتُهُمۡ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ وَلَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٌ} (16)

ولما كان التقدير : فالذين رجعوا إليه طوعاً في هذه الدار بعد هذا البيان والإظهار ، وتركوا الجدال حجتهم ثابتة ولهم الرضا والنعيم المقيم ، عطف عليه قوله مبتدئاً بالموصول ليصله بما يفهم التجدد والاستمرار : { والذين يحاجّون } أي يوردون تشكيكاً على دينه الحق من الشبه ما يسمونه حججاً ، ولعل الإدغام يشير إلى أن أهل هذا الضرب منافقون يلقون شبههم في خفاء فتشربها قلوب أمثالهم فتصير أهوية فيضعف أمرها ويؤيده تقييد الدحوض بما عند الرب { في الله } أي في دين الملك الأعظم ليعيدوا الناس بعدما دخلوا في نور الهدى إلى ظلام الضلال .

ولما كانت إقامة الحجة وإظهار المعجزة أمراً ملزماً لجميع من بلغه الاستجابة لوصول الأمر إلى حد من البيان سقط معه الجدال ، قال معلماً إن ما كان في قوة الوجود يصح أن يطلق عليه أنه موجود ، ومنبهاً بالجار على ذم هذا الجدال ولو قل زمنه : { من بعدما } ولما كان المقصود مطلق الاستجابة لا من مجيب معين قال : { استجيب له } أي استجاب له الرسول صلى الله عليه وسلم ، وصار الناس كلهم بما يبين لهم مستجيبين بالقوة وإن لم يستجيبوا بالفعل ، فإن الأمر قد ظهر غاية الظهور ، ولم يبق إلا العناد ، فهذه الجملة هي المراد والثمرة من قوله { لا حجة بيننا وبينكم } .

ولما كان من خالف ظاهره باطنه ضعيف الحجة هلهل النسج ، قال معبراً بمبتدأ ثان مفرداً للحجة إشارة إلى ضعفها : { حجتهم } أي التي زعموها حجة ، وأخبر عن هذا المبتدأ الثاني ليكون هو وخبره خبراً عن الأول فقال : { داحضة } أي زالقة فهي ذاهبة غير ثابتة لأجل أنها في معارضة ما ظهوره كالشمس بل أجلى ، والعبارة لفتٌ إلى صفة الإحسان والعندية إشارة إلى شدة ظهور ما في حجتهم من الدحوض لأن { عند } للأمور الظاهرة المألوفة ، وصفة التربية للعطف والرفق ، والإضافة إلى ضميرهم تقتضي مزيد لطف وعطف ، فهو إشارة إلى أنها هباء منثور عند تدقيق النظر ولا سيما إذا كان بصفة عزة وقهر وغضب ، فالمعنى أن دحوضها ظاهر جداً ولو عوملوا بصفة الإحسان ولو خصوا بمزيد عطف وبر ، فأين هذا مما لو قيل " لدى عليم قدير " فإنه يفهم أن دحوضها لا يدركه إلا بليغ العلم تام القدرة ، وهو مع ذلك غريب فيصير فيه نوع مدح لحجتهم في الجملة : { عند ربهم } أي المحسن إليهم بإفاضة العقل الذي جعلهم به في أحسن تقويم ، فمهما جردوه عن الهوى ، دلهم على أن جميع ما كانوا فيه باطل ، وفيه إشارة إلى أن أدنى ما يعذبهم به قطع إحسانه عنهم ، وأنه يظهر بطلان ما سموه حجة لكل عاقل فيورثهم الخزي في الدنيا والعذاب في الأخرى على أن قطع إحسانه هو عند التأمل أعلى العذاب { وعليهم } زيادة على قطع الإحسان { غضب } أي عقوبة تليق بحالهم المذموم ووصفهم المذؤوم ومنه الطرد ، فهم مطرودون عن بابه ، مبعودون عن جنابه ، مهانون بحجابه . ولما أفهم التعبير ب " على " ذمهم باستعلاء النقم عليهم لم يشكل التعبير باللام ، بل كان مفهماً التهكم والملام فقال : { ولهم } أي مع ذلك { عذاب شديد * } لا تصلون إلى إدراك حقيقة وصفه ، والآية مشيرة إلى الانتصار على أهل الردة وضربهم بكل شدة لسوء منزلتهم عنده كما كشف عنه الحال عند ندب الصديق إليهم بالقتال رضي الله عنه وأرضاه .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ٱسۡتُجِيبَ لَهُۥ حُجَّتُهُمۡ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ وَلَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٌ} (16)

قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ( 16 ) اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ ( 17 ) يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلاَ إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ } .

ذلك وعيد من الله للمشركين الذين يصدون الناس عن عقيدة التوحيد ، ويفتنون المسلمين عن دين الإسلام . أولئك الظالمون الفتانون حجتهم باطلة وسقيمة وهم هالكون خاسرون . وذلك قوله : { وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ } أي الذين يخاصمون المؤمنين بعد ما استجابوا لله فأسلموا – ويجادلونهم بالحجج الكاذبة الواهية ليضلوهم ويصدوهم عن دينهم ، دين التوحيد والطهر والفضيلة ، دين الإسلام { حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ } أي حجتهم عند الله باطلة ؛ فهي مستهجنة وزائلة ؛ لأنها لا ثبات لها . دحضت الحجة دحضا أي بطلت ، ودحض الرجل أي زلق{[4094]} .

قوله : { وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ } أي غضب من الله ينزل بهم في الدنيا { وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } أي يعذبهم الله عذابا شديدا يوم القيامة .

وقيل : إن هؤلاء المشركين الذين جادلوا المؤمنين ليصدوهم عن الإسلام ، قوم توهموا أن الجاهلية تعود . وقيل : المراد بهم أهل الكتاب من اليهود والنصارى فكانت محاجتهم للمسلمين قولهم لهم ! نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم . وكانوا يرون لأنفسهم الفضيلة على غيرهم ؛ لأنهم أهل كتاب وأنهم أولاد النبيين . وكان المشركون من غير أهل الكتاب يقولون للمسلمين : أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديًّا فنزلت الآية .


[4094]:المصباح المنير ج 1 ص 203.