مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ٱسۡتُجِيبَ لَهُۥ حُجَّتُهُمۡ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ وَلَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٌ} (16)

ثم قال تعالى : { والذين يحاجون في الله } أي يخاصمون في دينه { من بعد ما استجيب له } أي من بعد ما استجاب الناس لذلك الدين { حجتهم داحضة } أي باطلة وتلك المخاصمة هي أن اليهود قالوا ألستم تقولون إن الأخذ بالمتفق أولى من الأخذ بالمختلف ؟ فنبوة موسى وحقية التوراة معلومة بالاتفاق ، ونبوة محمد ليست متفقا عليها ، فإذا بنيتم كلامكم في هذه الآية على أن الأخذ بالمتفق أولى ، وجب أن يكون الأخذ باليهودية أولى ، فبين تعالى أن هذه الحجة داحضة ، أي باطلة فاسدة ، وذلك لأن اليهود أطبقوا على أنه إنما وجب الإيمان بموسى عليه السلام لأجل ظهور المعجزات على وفق قوله ، وهاهنا ظهرت المعجزات على وفق قول محمد عليه السلام ، واليهود شاهدوا تلك المعجزات ، فإن كان ظهور المعجزة يدل على الصدق ، فهاهنا يجب الاعتراف بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وإن كان لا يدل على الصدق وجب في حق موسى أن لا يقروا بنبوته .

وأما الإقرار بنبوة موسى والإصرار على إنكار نبوة محمد مع استوائهما في ظهور المعجزة يكون متناقضا .