فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلَّذِينَ يُحَآجُّونَ فِي ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ٱسۡتُجِيبَ لَهُۥ حُجَّتُهُمۡ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَعَلَيۡهِمۡ غَضَبٞ وَلَهُمۡ عَذَابٞ شَدِيدٌ} (16)

{ وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللَّهِ } أو يخاصمون في دين الله { مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ } أي استجاب الناس { لَهُ } أي لدين الله ودخلوا فيه ، وقيل : الضمير راجع إلى الله ، وقيل : إلى محمد صلى الله عليه وسلم المعلوم من السياق الدال عليه الفعل ، والأول أولى .

قال مجاهد ؛ من بعد ما أسلم الناس ، قال : وهؤلاء قوم توهموا أن الجاهلية تعود ، وقال قتادة هم اليهود والنصارى ، ومحاجتهم قولهم نبينا قبل نبيكم ، وكتابنا قبل كتابكم ، وكانوا يرون لأنفسهم الفضيلة بأنهم أهل كتاب وأنهم أولاد الأنبياء ، وكان المشركون يقولون { أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا } فنزلت هذه الآية .

وقال ابن عباس : هم أهل الكتاب كانوا يجادلون المسلمين ويصدونهم عن الهدى ، من بعد ما استجابوا لله ، وقال : هم قوم من أهل الضلالة وكانوا يتربصون بأن تأتيهم الجاهلية ، وعن عكرمة قال لما نزلت { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ } قال المشركون لمن بين أظهرهم من المؤمنين : قد دخل الناس في دين الله أفواجا فاخرجوا من بين أظهرنا فنزلت هذه الآية .

والموصول مبتدأ وخبره الجملة بعده وهي { حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ } أي لا ثبات لها كالشيء الذي يزول عن موضعه يقال دحضت حجته دحوضا بطلت ، وبابه خضع ، والإدحاض الإزلاق ، ومكان دحض أي زلق ، ودحضت رجله أي زلقت وبابه قطع وسماها حجة وإن كانت شبهة لزعمهم أنها حجة .

{ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ } عظيم من الله لمجادلتهم بالباطل { وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ } في الآخرة .