في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مَّا هُم مِّنكُمۡ وَلَا مِنۡهُمۡ وَيَحۡلِفُونَ عَلَى ٱلۡكَذِبِ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (14)

ثم يعود السياق إلى المنافقين الذين يتولون اليهود ، فيصور بعض أحوالهم ومواقفهم ، ويتوعدهم بافتضاح أمرهم ، وسوء مصيرهم ، وانتصار الدعوة الإسلامية وأصحابها على الرغم من كل تدبيراتهم :

ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ? ما هم منكم ولا منهم ، ويحلفون على الكذب وهم يعلمون . أعد الله لهم عذابا شديدا ، إنهم ساء ما كانوا يعملون . اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله ، فلهم عذاب مهين . لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا . أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون . يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء . ألا إنهم هم الكاذبون . إستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ، أولئك حزب الشيطان ، ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون . .

وهذه الحملة القوية على المنافقين الذين يتولون قوما غضب الله عليهم - وهم اليهود - تدل على أنهم كانوا يمعنون في الكيد للمسلمين ، ويتآمرون مع ألد أعدائهم عليهم ؛ كما تدل على أن سلطة الإسلام كانت قد عظمت ، بحيث يخافها المنافقون ، فيضطرون - عندما يواجههم رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] والمؤمنون بما يكشفه الله من تدبيراتهم ومؤامراتهم - إلى الحلف بالكذب لإنكار ما ينسب إليهم من مؤامرات وأقوال ؛ وهم يعلمون أنهم كاذبون في هذه الأيمان .

إنما هم يتقون بأيمانهم ما يتوقعونه من مؤاخذتهم بما ينكشف من دسائسهم : اتخذوا أيمانهم جنة أي وقاية . وبذلك يستمرون في دسائسهم للصد عن سبيل الله !

 
تيسير التفسير لإبراهيم القطان - إبراهيم القطان [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مَّا هُم مِّنكُمۡ وَلَا مِنۡهُمۡ وَيَحۡلِفُونَ عَلَى ٱلۡكَذِبِ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (14)

{ ألم تر } : أخبِرني ، وهو أسلوب من الكلام يراد به التعجب وإظهار الغرابة للمخاطب .

{ الذين تولوا قوما الخ . . . } : هم المنافقون واليهود .

{ قوما غضب الله عليهم } : هم اليهود .

{ ما هم منكم ولا منهم } : لأنهم مذبذبون .

{ ويحلفون على الكذب } : يعني يحلفون بأنهم معكم وهم كاذبون .

هذه الآية والآيات الأربع التي بعدها في المنافقين وأخبارهم ، وكذِبِهم على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم . وسيأتي بعدَ أربَعِ سورٍ سورةٌ خاصة بالمنافقين .

ألم تر أيها الرسول ، إلى هؤلاء المنافقين الذين اتخذوا اليهودَ المغضوبَ عليهم أولياءَ ينصحونهم وينقلون إليهم أسرار المؤمنين ! إنهم ليسوا من المؤمنين إلا في الظاهر ، كما أنهم ليسوا من اليهود ، { مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلك لاَ إلى هؤلاء } [ النساء : 143 ] .

ثم بين الله تعالى أنهم يَحلِفون الأيمان الكاذبة ليُظهروا أنهم مسلمون ، ويَشهدوا أن محمدا رسولُ الله ، والله يشهدُ إنهم كاذبون .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مَّا هُم مِّنكُمۡ وَلَا مِنۡهُمۡ وَيَحۡلِفُونَ عَلَى ٱلۡكَذِبِ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (14)

{ ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم } أي المنافقين تولوا اليهود وناصحوهم ونقلوا اليهم أسرار المؤمنين { ما هم منكم } أيها المؤمنون { ولا منهم } من اليهود { ويحلفون على الكذب } يحلفون أنهم لا يخونون المؤمنين { وهم يعلمون } أنهم كاذبون في حلفهم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{۞أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ تَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِم مَّا هُم مِّنكُمۡ وَلَا مِنۡهُمۡ وَيَحۡلِفُونَ عَلَى ٱلۡكَذِبِ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ} (14)

ولما أخبر بإحاطة علمه ردعاً{[63411]} لمن يغتر{[63412]} بطول حلمه ، دل على ذلك باطلاعه على نفاق المنافقين الذي هو أبطن الأشياء ، فقال معجباً مرهباً معظماً للمقام بتخصيص الخطاب بأعلى الخلق صلى الله عليه وسلم تنبيهاً على أنه لا يفهم ذلك حق فهمه غيره : { ألم تر } ودل على بعدهم عن الخير بحرف الغاية فقال : { إلى الذين تولوا } أي تكلفوا بغاية جهدهم أن جعلوا أولياءهم الذين ينزلون بهم أمورهم { قوماً } ابتغوا عندهم{[63413]} العزة اغتراراً بما يظهر لهم منهم من القوة { غضب الله } أي الملك الأعلى الذي لا ند{[63414]} له { عليهم } أي على المتولين والمتولَّين{[63415]} لأنهم قطعوا ما بينهم وبينه ، والأولون هم المنافقون تولوا اليهود ، وزاد في الشناعة عليهم بقوله مستأنفاً : { ما هم } أي اليهود المغضوب عليهم { منكم } أيها المؤمنون لتولوهم خوفاً من السيف ورغبة في السلم { ولا منهم } أي المنافقين ، فتكون موالاتهم لهم{[63416]} لمحبة سابقة وقرابة شابكة ، ليكون ذلك لهم عذراً ، بل هم مذبذبون ، فهم مع المؤمنين بأقوالهم ، ومع الكفار بقلوبهم ، فما تولوهم إلا عشقاً في النفاق لمقاربة{[63417]} ما بينهم فيه ، أو يكون المعنى : ما المنافقون المتولون من المسلمين ولا من اليهود المتولين ، وزاد في الشناعة عليهم بأقبح الأشياء الحالم على كل رذيلة ، فقال ذاكراً لحالهم في هذا الاتحاد : { ويحلفون } أي المنافقون يجددون الحلف على الاستمرار ، ودل بأداة الاستعلاء على أنهم{[63418]} في غاية الجرأة على استمرارهم{[63419]} على الأيمان الكاذبة بأن التقدير : مجترئين { على الكذب } في دعوى الإسلام وغير ذلك مما يقعون فيه من عظائم الآثام ، فإذا عوتبوا عليه بادروا إلى الإيمان .

ولما كان الكذب قد يطلق في اللغة على ما يخالف الواقع وإن كان عن غير تعمد بأن يكون{[63420]} الحالف يجهل عدم مطابقته للواقع ، قال نافياً لذلك مبيناً أنهم جرؤوا على اليمين الغموس : { وهم يعلمون * } أي أنهم كاذبون فهم متعمدون{[63421]} ، وذلك{[63422]} أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : " " يدخل عليكم رجل قلبه قلب جبار وينظر بعيني شيطان " ، فدخل عبد الله بن نبتل وكان أزرق أسمر قصيراً{[63423]} خفيف اللحية ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " علام تشتمني أنت وأصحابك ، فحلف بالله ما فعل " فقال له : فعلت . فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه " فنزلت .


[63411]:- من ظ وم، وفي الأصل: ودعا.
[63412]:- من ظ وم، وفي الأصل: يغر-كذا.
[63413]:- من ظ وم، وفي الأصل: عنده.
[63414]:- من ظ وم، وفي الأصل: مذل.
[63415]:- من ظ وم، وفي الأصل: المولين.
[63416]:- سقط من ظ.
[63417]:- في ظ: لتقارب.
[63418]:- من م، وفي الأصل وظ: إنه.
[63419]:- من ظ وم، وفي الأصل: الاستمرار.
[63420]:- من ظ وم، وفي الأصل: كان-كذا.
[63421]:- من م، وفي الأصل وظ: يتعمدون.
[63422]:- الحديث ذكره البغوي في المعالم بهامش اللباب 7/ 45.
[63423]:- من ظ وم، وفي الأصل: قصير.