في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (69)

46

ويختم السورة بصورة الفريق الآخر . الذين جاهدوا في الله ليصلوا إليه ؛ ويتصلوا به . الذين احتملوا في الطريق إليه ما احتملوا فلم ينكصوا ولم ييأسوا . الذين صبروا على فتنة النفس وعلى فتنة الناس . الذين حملوا أعباءهم وساروا في ذلك الطريق الطويل الشاق الغريب . . أولئك لن يتركهم الله وحدهم ولن يضيع إيمانهم ، ولن ينسى جهادهم . إنه سينظر إليهم من عليائه فيرضاهم . وسينظر إلى جهادهم إليه فيهديهم . وسينظر إلى محاولتهم الوصول فيأخذ بأيديهم . وسينظر إلى صبرهم وإحسانهم فيجازيهم خير الجزاء :

( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا . وإن الله لمع المحسنين ) . .

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (69)

قوله تعالى : " والذين جاهدوا فينا " أي جاهدوا الكفار فينا أي في طلب مرضاتنا وقال السدي وغيره : إن هذه الآية نزلت قبل فرض القتال . قال ابن عطية : فهي قبل الجهاد العرفي ، وإنما هو جهاد عام في دين الله وطلب مرضاته قال الحسن بن أبي الحسن : الآية في العباد وقال ابن عباس وإبراهيم بن أدهم : هي في الذين يعملون بما يعلمون وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من عمل بما علم علمه الله ما لم يعلم ) ونزع بعض العلماء إلى قوله : " واتقوا الله ويعلمكم الله " [ البقرة : 282 ] وقال عمر بن عبدالعزيز : إنما قصر بنا عن علم ما جهلنا تقصيرنا في العمل بما علمنا ، ولو عملنا ببعض ما علمنا لأورثنا علما لا تقوم به أبداننا ، قال الله تعالى : " واتقوا الله ويعلمكم الله " وقال أبو سليمان الداراني : ليس الجهاد في الآية قتال الكفار فقط ، بل هو نصر الدين والرد على المبطلين ، وقمع الظالمين ، وعُظْمُه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ومنه مجاهدة النفوس في طاعة الله وهو الجهاد الأكبر ، وقال سفيان بن عيينة لابن المبارك : إذا رأيت الناس قد اختلفوا فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور ، فإن الله تعالى يقول : " لنهدينهم " وقال الضحاك : معنى الآية ، والذين جاهدوا في الهجرة لنهدينهم سبل الثبات على الإيمان . ثم قال : مثل السنة في الدنيا كمثل الجنة في العقبى ، من دخل الجنة في العقبى سلم ، كذلك من لزم السنة في الدنيا سلم ، وقال عبد الله بن عباس : والذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا وهذا يتناول بعموم الطاعة جميع الأقوال ونحوه قول عبد الله بن الزبير قال : تقول الحكمة من طلبني فلم يجدني فليطلبني في موضعين : أن يعمل بأحسن ما يعلمه ويجتنب أسوأ ما يعلمه . وقال الحسن بن الفضل : فيه تقديم وتأخير أي الذين هديناهم هم الذين جاهدوا فينا " لنهديهم سبلنا " أي طريق الجنة . قاله السدي . النقاش : يوفقهم لدين الحق . وقال يوسف بن أسباط : المعنى لنخلصن نياتهم وصدقاتهم وصلواتهم وصيامهم . " وإن الله لمع المحسنين " لام تأكيد ودخلت في " مع " على أحد وجهين : أن يكون اسما ولام التوكيد إنما تدخل على الأسماء أو حرفا فتدخل عليها ؛ لأن فيها معنى الاستقرار ، كما تقول إن زيدا لفي الدار و " مع " إذا سكنت فهي حرف لا غير ، وإذا فتحت جاز أن تكون اسما وأن تكون حرفا والأكثر أن تكون حرفا جاء لمعنى وتقدم معنى الإحسان والمحسنين في " البقرة " وغيرها وهو سبحانه معهم بالنصرة والمعونة والحفظ والهداية ومع الجميع بالإحاطة والقدرة فبين المعيتين بون .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (69)

قوله : { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } المراد بالجهاد هنا عموم المجاهدة لإعلاء كلمة الإسلام وظهوره في الآفاق . سواء كان ذلك بالكلمة المؤثرة الطيبة النفَّاذة ، والأسلوب اللين الرحيم الكريم . أو كان ذلك بالقلم ليُّخَطَّ به العلم والدعوة إلى دين الإسلام عن طريق الكتب والمنشورات والصحائف المكتوبة التي تبين للناس حقيقة الإسلام وتكشف للعالمين عن روعة هذا الدين العظيم وما حواه من قواعد وأركان ومفاهيم تفيض بالخير والعدل والرحمة ، وتندد بالظلم والشر والباطل على اختلاف صوره وأحواله وأشكاله . أو كانت المجاهدة في الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ثم بالتصدي للمبطلين فيما يفترونه على الإسلام والمسلمين من الأباطيل والأكاذيب لدحضها وكشف زيفها والتنديد بها . أو كانت المجاهدة في الله ببذل المال في وجوهه النافعة كطلب العلم وإشاعة الفضيلة بين الناس ، أو كانت المجاهدة سبيلها القوة وامتشاق السلاح عندما لا تجدي كل الأساليب الحسنة لدفع الأذى والشر والعدوان . إنه لا مناص في كثير من الأحيان من التلويح بالقوة التي تصد الظلم والظالمين وتردع الباطلين والمبطلين أن يعيثوا في الأرض تخريبا وإفسادا .

على أن المجاهدة الصحيحة والمقبولة ما كان منها في سبيل الله . وهو قوله : { فيناَ } أي ابتغاء مرضاتنا . أما ما كان من ذلك في غير سبيل الله ، بل طمعا في مكسب أو مغنم أو مكانة مرموقة ؛ فإن المجاهدة حينئذ لا أجر فيها ولا قيمة لها في ميزان الله .

قوله : { لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } أي لنوفقنهم لإصابة الطرق المستقيمة . ففي الدنيا : يوفقهم الله للصواب والسداد من القول والفعل ، والسلوك النافع السوي الذي قرره الإسلام . وفي الآخرة : يوفقهم الله ويهديهم إلى طريق الجنة .

قوله : { وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } اللام للتوكيد . والمراد بالمحسنين : المصدقون المستيقنون الذين يعملون بما يعلمون ، ويجاهدون في الله مخلصين غير مرائين ، أولئك الله معهم بالعون والنصرة والتأييد{[3584]} .


[3584]:تفسير الطبري ج 21 ص 10-11، وابن كثير ج 3 ص 421، وتفسير القرطبي ج 13 ص 365، 365.