فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (69)

{ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين69 }

وبعد تتابع الآيات السابقات في خذلان المبطلين الضالين ، جاءت هذه في هداية وولاية المجاهدين المتقين ، فالذين نصروا الدين ، وردوا على المبطلين ، وزجروا الظالمين ، وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، قسما مؤكدا لنزيدنهم هداية إلى سبل الخير ، ومنازل المثوبة ، وفي ذلك يقول المولى الحق سبحانه : ) والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم . سيهديهم ويصلح بالهم . ويدخلهم الجنة عرفها لهم( {[3266]} ويقول تبارك اسمه : )ويزيد الله الذين اهتدوا هدى . . ( {[3267]} .

نقل عن بعض علماء القرآن : هي في الذين يعملون يما يعلمون{[3268]} ، { وإن الله لمع المحسنين } واستيقنوا يقينا لا ريب فيه ولا شك معه أن المعبود بحق لن يتخلى عمن أحسن- وما فقد شيئا من وجد الله .

وجاء التوكيد بأدواته المتتابعة{ وإن } واللام ، يقول اللغويون : لام التوكيد دخلت في{ مع } . . وإن تكن حرفا ، فتدخل عليها ، لأن فيها معنى الاستقرار ، وأل في{ المحسنين } يحتمل أن تكون للعهد ، فالمراد بالمحسنين الذين جاهدوا ، ووجه إقامة الظاهر مقام الضمير ظاهر . . ويحتمل أن يكون للجنس ، فالمراد بهم مطلق جنس من أتى بالأفعال الحسنة ، ويدخل أولئك دخولا أوليا برهانيا{[3269]} أقول : ولماذا لا يبقى اللفظ على عمومه في كل من بلغ بعمل خير نافع مبلغ الإتقان والإجادة ، وأتمه على أكمل وجه مستطاع ، فإذا عبد الله العظيم عبده وكأنه يراه ، وإذا عمل لنفسه أو غيره طيب ما أدى وحسّنه غاية التحسين ؟ ! يقول صاحب [ الجامع لأحكام القرآن ، والمبين لما تضمن من السنة وآي الفرقان ]{[3270]} : وهو سبحانه معهم بالنصرة والمعونة ، والحفظ والهداية ، ومع الجميع بالإحاطة والقدرة ، فبين المعنيين بون . اه

وإنه لتنزيل العزيز الحكيم أن تختم السورة التي بدئت بالامتحان والابتلاء والفتنة ، وعهدت إلى المؤمنين بالثبات والنصرة والهجرة ، تختم بهذه البشرى وتلك المعية ، فبشرى لمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، وجاهد بعلمه ليحق الحق ، )إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم( {[3271]} )وإن ينصركم الله فلا غالب لكم . . . ( {[3272]} فاللهم نصرك الذي وعدت ، اللهم آمين .


[3266]:سورة محمد. من الآية 4 والآيتان 5، 6.
[3267]:سورة مريم. من الآية 76.
[3268]:وأوردوا: قال صلى الله عليه وسلم:" من عمل بما علم علمه الله ما لم يعلم"،، وقال عمر بن عبد العزيز: إنما قصر بنا عن علم ما جهلنا تقصيرنا في العمل بما علمنا ولو عملنا ببعض ما علمنا لأورثنا علما لا تقوم به أبداننا، قال الله تعالى:)واتقوا الله ويعلمكم الله..(، وقال سفيان بن عيينة لابن المبارك: إذا رأيت الناس قد اختلفوا فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور، فإن الله تعالى يقول:{لنهدينهم}، ونقل صاحب تفسير القرآن العظيم عن ابن أبي حاتم- بسنده- عن الشعبي قال عيسى ابن مريم عليه السلام: إنما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك، ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك، والله أعلم.
[3269]:مما أورد الألوسي.
[3270]:أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي في تفسيره: جـ 13 ص 365.
[3271]:سورة محمد. من الآية 7.
[3272]:سورة آل عمران. من الآية 160.