البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (69)

{ والذين جاهدوا فينا } : أطلق المجاهدة ، ولم يقيدها بمتعلق ، ليتناول المجاهدة في النفس الأمّارة بالسوء والشيطان وأعداء الدين ، وما ورد من أقوال العلماء ، فالمقصود بها المثال .

قال ابن عباس : جاهدوا أهواءهم في طاعة الله وشكر آلائه والصبر على بلائه .

{ لنهدينهم سبلنا } : لنزيدنهم هداية إلى سبيل الخير ، كقوله : { والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم } وقال السدي : جاهدوا فينا بالثبات على الإيمان ، لنهدينهم سبلنا إلى الجنة .

وقال أبو سليمان الداراني : جاهدوا فيما علموا ، لنهدينهم إلى ما لم يعلموا .

وقيل : جاهدوا في الغزو ، لنهدينهم سبل الشهادة والمغفرة .

وقال ابن عباس : المحسنين الموحدين .

وقال غيره : المجاهدون .

وقال عبد الله بن المبارك : من اعتاصت عليه مسألة ، فليسأل أهل الثغور عنها ، كقوله تعالى : { لنهدينهم سبلنا } .

{ والذين } : مبتدأ خبره القسم المحذوف ، وجوابه : وهو لنهدينهم وبهذا ، ونظيره ردّ على أبي العباس ثعلب في منعه أن تقع جملة القسم والمقسم عليه خبراً للمبتدأ ، ونظيره : { والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوّأنهم } .