فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ لَمَعَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ} (69)

{ والذين جاهدوا } أي : أوقعوا الجهاد بغاية جهدهم ، علة ما دل عليه بالمفاعلة { فينا } أي : في شأن الله لطلب مرضاته ، ورجاء ما عنده من الخير وقيل : في حقنا ومن أجلنا ولوجهنا خالصا ، ومراقبتنا ، خاصة بلزوم الطاعات من جهاد الكفار ، وغيرهم من كل ما ينبغي الجهاد فيه ، بالقول والفعل ، في الشدة والرخاء ، ومخالفة الهوى عند هجوم الفتن ، وشدائد المحن مستحضرين لعظمتنا .

{ لنهدينهم سبلنا } أي سبل السير والطريق الموصل إلينا وقيل : لنزيدنهم هداية إلى سبل الخير ، وتوفيقا . وعن ابن عطاء : جاهدوا في رضانا لنهدينهم إلى الوصول إلى محل الرضوان ، وعن الجنيد ، جاهدوا في التوبة لنهدينهم سبل الإخلاص أو جاهدوا في خدمتنا لنفتحن عليهم سبل المناجاة معنا ، والأنس بنا ، قال ابن عطية : هي مكية نزلت قبل فرض الجهاد العرفي ، وإنما هو جهاد عام في دين الله ، وطلب مرضاته .

وقيل : الآية هذه نزلت في العباد ، قال سفيان بن عيينة : إذا اختلف الناس فانظروا ما عليه أهل الثغور ، فإن الله تعالى يقول : والذين جاهدوا فينا الخ وقيل : المجاهدة الصبر على الطاعات ، المخالفة للهوى . وقال الفضيل بن عياض : الذين جاهدوا فينا أي : في طلب العلم لنهدينهم سبل العلم والعمل به . وقال سهل بن عبد الله : الذين جاهدوا بإقامة السنة وإماتة البدعة لنهدينهم سبل الجنة ، وقال ابن عباس : الذين جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا وقال أبو سليمان الداراني : الذين جاهدوا فيما علموا لنهدينهم إلى ما لم يعلموا أو عن بعضهم . من عمل بما علم وفق لعلم ما لم يعلم .

وقال إبراهيم بن أدهم : هي في الذين يعملون بما يعلمون ، وقال الداراني أيضا : ليس الجهاد في الآية قتال الكفار فقط بل هو نصر الدين والرد على المبطلين ، وقمع الظالمين وأعظمه بالمعروف والنهي عن المنكر ومنه مجاهدة النفوس في طاعة الله .

قال ابن عيينة : مثل السنة في الدنيا ، كمثل الجنة في العقبى من دخل الجنة في العقبى سلم ، فكذلك من لزم السنة في الدنيا سلم وظاهر الآية العموم فيدخل تحته كل ذلك ، قال النسفي : أطلق المجاهدة ولم يقيدها بمفعول : ليتناول كل ما تجب مجاهدته من النفس ، والشيطان ، وأعداء الدين .

{ وإن الله لمع المحسنين } بالنصر والعون في دنياهم والمغفرة في عقباهم ، وثوابهم الجنة في الآخرة ، من كان الله معه لا يخذل أبدا ودخلت لام التوكيد على ( مع ) بتأويل كونها اسما أو على أنها حرف ودخلت عليها لإفادة معنى الاستقرار ، كما تقول : إن زيدا لفي الدار والبحث مقرر في علم النحو ، وفيه إقامة الظاهر مقام المضمر إظهار لشرفهم بوصف الإحسان .