وعقب عليها بما يزيدها جدة وحيوية :
( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب ، أو ألقى السمع وهو شهيد ) . .
وفي مصارع الغابرين ذكرى . ذكرى لمن كان له قلب . فمن لا تذكره هذه اللمسة فهو الذي مات قلبه أو لم يرزق قلبا على الإطلاق ! لا بل إنه ليكفي للذكرى والاعتبار أن يكون هناك سمع يلقى إلى القصة بإنصات ووعي ، فتفعل القصة فعلها في النفوس . . وإنه للحق . فالنفس البشرية شديدة الحساسية بمصارع الغابرين ، وأقل يقظة فيها وأقل تفتح كافيان لاستجاشة الذكريات والتصورات الموحية في مثل هذه المواقف المؤثرة المثيرة .
وعرض من قبل صفحات من كتاب الكون : ( أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج ، والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي ، وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج ) . .
قوله جلّ ذكره : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ } .
قيل : { لِمَن كَانَ لهُ قَلْبٌ } : أي من كان له عقل . وقيل : قلب حاضر . ويقال قلبٌ على الإحسان مُقْبِل . ويقال : قَلْبٌ غيرُ قُلَّب .
{ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ } : استمع إلى ما يَنادى به ظاهرُه من الخَلْق وإلى ما يعود إلى سِرِّه من الحق . ويقال : لمن كان له قلبٌ صاح لم يَسْكر من الغفلة . ويقال قلبٌ يعد أنفاسَه مع الله . ويقال : قلبٌ حيٌّ بنور الموافقة . ويقال : قلبٌ غيرُ مُعْرِضٍ عن الاعتبار والاستبصار .
ويقال : " القلبُ - كما في الخبر- بين إصبعين من أصابع الرحمان " : أي بين نعمتين ؛ وهما ما يدفعه عنه من البلاء ، وما ينفعه به من النَّعماء ، فكلُّ قلب مَنَعَ الحقُّ عنه الأوصافَ الذميمَةَ وأَلْزَمَه النعوتَ الحميدةَ فهو الذي قال فيه : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ } .
وفي الخبر : " إن لله أوانيَ ألاَ وهي القلوب ، وأقربها من الله مارقَّ وصفا " . شبَّه القلوب بالأواني ؛ فقلبُ الكافرِ منكوسٌ لا يدخل فيه شيء ، وقلبُ المنافقِ إناء مكسور ، ما يُلْقى فيه من أوَّله يخرج من أسفله ، وقلبُ المؤمنِ إناءٌ صحيح غير منكوس يدخل فيه الإيمانُ ويَبْقَى .
ولكنَّ هذه القلوبَ مختلفةٌ ؛ فقلبٌ مُلَطَّخٌ بالانفعالات وفنون الآفات ؛ فالشرابُ الذي يُلْقَى فيه يصحبه أثر ، ويتلطخ به .
{ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ } أي : قلب عظيم حي ، ذكي ، زكي ، فهذا إذا ورد عليه شيء من آيات الله ، تذكر بها ، وانتفع ، فارتفع{[837]} وكذلك من ألقى سمعه إلى آيات الله ، واستمعها ، استماعًا يسترشد به ، وقلبه { شَهِيدٌ } أي : حاضر ، فهذا له أيضا ذكرى وموعظة ، وشفاء وهدى .
وأما المعرض ، الذي لم يلق{[838]} سمعه إلى الآيات ، فهذا لا تفيده شيئًا ، لأنه لا قبول عنده ، ولا تقتضي حكمة الله هداية من هذا وصفه ونعته .
قوله : { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب } يعني فيما ذكرناه في هذه الآيات من عظيم الأخبار والمواعظ ، وألوان الترهيب والتحذير ، لتذكرة وعبرة لكل ذي عقل يتفكر به ويتدبر { أو ألقى السمع وهو شهيد } أي استمع القرآن وهو حاضر القلب والذهن . فما في هذه السورة وغيرها من القرآن من صور التخويف والتحذير والترشيد ، وألوان الزجر والتنبيه إنما ينتفع به ويتعظ منه الذين يستمعون القرآن في تدبر وادراكا واستبصار . أما الذين يسمعونه وقلوبهم لاهية عنه إلى التفكر في أمور الدنيا ومشاغلها ومشكلاتها ، فأنى لهم أن ينتفعوا بالقرآن أو يتعظوا به أو يزدجروا .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.