أولى لهم ( طاعة وقول معروف ) . . طاعة تستسلم لأمر الله عن طمأنينة ، وتنهض بأمره عن ثقة . وقول معروف يشي بنظافة الحس واستقامة القلب ، وطهارة الضمير . وأولى لهم إذا عزم الأمر ، وجد الجد ، وواجهوا الجهاد أن يصدقوا الله . يصدقوه عزيمة ، ويصدقوه شعورا . فيربط على قلوبهم ، ويشد من عزائمهم ، ويثبت أقدامهم ، وييسر المشقة عليهم ، ويهون الخطر الذي يتمثلونه غولا تفغر فاها لتلتهمهم ! ويكتب لهم إحدى الحسنيين : النجاة والنصر ، أو الاستشهاد والجنة . . هذا هو الأولى . وهذا هو الزاد الذي يقدمه الإيمان فيقوي العزائم ويشد القوائم ، ويذهب بالفزع ، ويحل محله الثبات والاطمئنان .
ثم ندبهم تعالى إلى ما هو الأليق بحالهم ، فقال : { فَأَوْلَى لَهُمْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ } أي : فأولى لهم أن يمتثلوا الأمر الحاضر المحتم عليهم ، ويجمعوا عليه هممهم ، ولا يطلبوا أن يشرع لهم ما هو شاق عليهم ، وليفرحوا بعافية الله تعالى وعفوه .
{ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ } أي : جاءهم الأمر جد ، وأمر محتم ، ففي هذه الحال لو صدقوا الله بالاستعانة به ، وبذل الجهد في امتثاله { لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ } من حالهم الأولى ، وذلك من وجوه :
منها : أن العبد ناقص من كل وجه ، لا قدرة له إلا إن أعانه الله ، فلا يطلب زيادة على ما هو قائم بصدده .
ومنها : أنه إذا تعلقت نفسه بالمستقبل ، ضعف عن العمل ، بوظيفة وقته ، وبوظيفة المستقبل ، أما الحال ، فلأن الهمة انتقلت عنه إلى غيره ، والعمل تبع للهمة ، وأما المستقبل ، فإنه لا يجيء حتى تفتر الهمة عن نشاطها فلا يعان عليه .
ومنها : أن العبد المؤمل للآمال المستقبلة ، مع كسله عن عمل الوقت الحاضر ، شبيه بالمتألي الذي يجزم بقدرته ، على ما يستقبل من أموره ، فأحرى به أن يخذل ولا يقوم بما هم به ووطن نفسه{[788]} عليه ، فالذي ينبغي أن يجمع العبد همه وفكرته ونشاطه على وقته الحاضر ، ويؤدي وظيفته بحسب قدرته ، ثم كلما جاء وقت استقبله بنشاط وهمة عالية مجتمعة غير متفرقة ، مستعينا بربه في ذلك ، فهذا حري بالتوفيق والتسديد في جميع أموره .
ثم قال : { طاعة وقول معروف } وهذا ابتداء محذوف الخبر ، تقديره : طاعة ، وقول معروف أمثل ، أي لو أطاعوا وقالوا قولاً معروفاً كان أمثل وأحسن . وقال : مجازه : يقول هؤلاء المنافقون قبل نزول السورة المحكمة : { طاعة } ، رفع على الحكاية أي أمرنا طاعة أو منا طاعة ، { وقول معروف } : حسن . وقيل : هو متصل بما قبله ، واللام في قولهم ، بمعنى الباء مجازه فأولى بهم طاعة الله ورسوله ، وقول معروف بالإجابة ، أي لو أطاعوا كانت الطاعة والإجابة أولى بهم ، وهذا معنى قول ابن عباس في رواية عطاء . { فإذا عزم الأمر } أي : جد الأمر ولزم فرض القتال وصار الأمر معزوماً ، { فلو صدقوا الله } في إظهار الإيمان والطاعة ، { لكان خيراً لهم } وقيل : جواب إذا محذوف تقديره فإذا عزم الأمر نكلوا وكذبوا فيما وعدوا ولو صدقوا الله لكان خيراً لهم .
ثم قال : " طاعة وقول معروف " أي طاعة وقول معروف أمثل وأحسن ، وهو مذهب سيبويه والخليل . وقيل : إن التقدير أمرنا طاعة وقول معروف ، فحذف المبتدأ فيوقف على " فأولى لهم " . وكذا من قدر يقولون منا طاعة . وقيل : إن الآية الثانية متصلة بالأولى . واللام في قوله : " لهم " بمعنى الباء ، أي الطاعة أولى وأليق بهم ، وأحق لهم من ترك امتثال أمر الله . وهي قراءة أبي " يقولون طاعة " . وقيل إن : " طاعة " نعت ل " سورة " ، على تقدير : فإذا أنزلت سورة ذات طاعة ، فلا يوقف على هذا على " فأولى لهم " . قال ابن عباس : إن قولهم " طاعة " إخبار من الله عز وجل عن المنافقين . والمعنى لهم طاعة وقول معروف ، قيل : وجوب الفرائض عليهم ، فإذا أنزلت الفرائض شق عليهم نزولها . فيوقف على هذا على " فأولى " . " فإذا عزم الأمر " أي جد القتال ، أو وجب فرض القتال ، كرهوه . فكرهوه جواب " إذا " وهو محذوف . وقيل : المعنى فإذا عزم أصحاب الأمر . " فلو صدقوا الله " أي في الإيمان والجهاد . " لكان خيرا لهم " من المعصية والمخالفة .
ولما علم بما ذكر من التسبب أن هذا الدعاء عليهم لما تقدم من سوء أدبهم في مقالهم ، وقبح ما ظهر من فعالهم ، حصل التشوف إلى{[59702]} ما ينبغي لهم ، فقال تعالى{[59703]} على طريق{[59704]} النشر المشوش : { طاعة } أي منهم { وقول معروف } أي بالتسليم والإذعان وحسن الانقياد خير لهم مما أظهروا من المحبة في الطاعة وما كشف {[59705]}حالهم عنه{[59706]} من الكراهة ، و-{[59707]} نكر الاسمين ليكونا{[59708]} صالحين للتعظيم وما دونه ، ثم سبب عنهما قوله مسنداً إلى الأمر ما هو-{[59709]} لأهله تأكيداً لمضمون الكلام : { فإذا عزم الأمر } أي فإذا أمر بالقتال الذي ذكر في-{[59710]} أول السورة وغيره من الأوامر أمراً مجزوماً به معزوماً عليه { فلو صدقوا الله } أي الملك{[59711]} الأعظم {[59712]}المحيط قدرة وعلماً{[59713]} في قولهم الذي قالوه في طلب التنزيل { لكان } {[59714]}صدقهم له { خيراً لهم * } أي من تعللهم وتسللهم عنه لواذاً على تقدير{[59715]} التنزيل في تسليم أن في جماحهم عن الأمر وتقاعدهم عنه نوع خير{[59716]} ، ويجوز أن يكون-{[59717]} " خير " اسماً لا للتفضيل ليفهم أن كذبهم شر لهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.