( لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله . وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء ) . . فقد كان أهل الكتاب يزعمون أنهم شعب الله المختار ، وأنهم أبناء الله وأحباؤه : ( وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا ) . . ( وقالوا : لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى ) . . فالله يدعو الذين آمنوا إلى استحقاق رحمته وجنته وهبته ومغفرته حتى يعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على احتجاز شيء من فضله ، وأن الفضل بيده يؤتيه من يشاء ، غير مقصور على قوم ، ولا محجوز لطائفة ، ولا محدود ولا قليل : ( والله ذو الفضل العظيم ) . .
وهي دعوة فيها تحضيض واستجاشة واستشارة للسباق إلى الجنة والرحمة . تختم بها السورة ختاما يتناسق مع سياقها كله ، ومع الهتاف المكرر فيها لهذه القلوب كي تحقق إيمانها وتخشع لربها وتستجيب لتكاليف الإيمان في الأموال والأرواح . في تجرد وإخلاص .
وبعد فهذه السورة نموذج من النماذج القرآنية الواضحة في خطاب القلوب البشرية ، واستجاشتها بأسلوب عميق التأثير . وهي في بدئها وسياقها وختامها ؛ وفي إيقاعاتها وصورها وظلالها ؛ وفي طريقة تناولها للموضوع وسيرها فيه جولة بعد جولة ، وشوطا بعد شوط . . هي في هذا كله درس بديع لأصحاب هذه الدعوة ، يعلمهم كيف يخاطبون الناس ، وكيف يوقظون الفطرة ، وكيف يستحيون القلوب !
إنها درس رباني من صانع القلوب ، ومنزل القرآن ، وخالق كل شيء بقدر . وفي هذه المدرسة الإلهية يتخرج الدعاة المستجابون الموفقون . . .
[ وقوله ] { لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ } أي : بينا لكم فضلنا وإحساننا لمن آمن إيمانا عاما ، واتقى الله ، وآمن برسوله ، لأجل أن أهل الكتاب يكون لديهم علم{[999]} بأنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله أي : لا يحجرون على الله بحسب أهوائهم وعقولهم الفاسدة ، فيقولون : { لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى } ويتمنون على الله الأماني الفاسدة ، فأخبر الله تعالى أن المؤمنين برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، المتقين لله ، لهم كفلان من رحمته ، ونور ، ومغفرة ، رغما على أنوف أهل الكتاب ، وليعلموا { أن الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } ممن اقتضت حكمته تعالى أن يؤتيه من فضله ، { وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } [ الذي لا يقادر قدره ] .
ثم قال : { لئلا يعلم أهل الكتاب } قال قتادة : حسد الذين لم يؤمنوا من أهل الكتاب المؤمنين منهم ، فأنزل الله تعالى : { لئلا يعلم أهل الكتاب } وقال مجاهد : قالت اليهود يوشك أن يخرج منا نبي يقطع الأيدي والأرجل ، فلما خرج من العرب كفروا به ، فأنزل الله تعالى : { لئلا يعلم أهل الكتاب } أي ليعلم " ولا " صلة { ألا يقدرون على شيء من فضل الله } أي ليعلم الذين لم يؤمنوا أنهم لا أجر لهم ولا نصيب لهم في فضل الله ، { وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم } .
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا الليث عن نافع ، عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس ، وإنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل استعمل عمالاً ، فقال : من يعمل إلى نصف النهار على قيراط ؟ فعملت اليهود إلى نصف النهار على قيراط قيراط ، ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ؟ فعملت النصارى من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط قيراط ، ثم قال : من يعمل لي من صلاة العصر إلى مغرب الشمس على قيراطين قيراطين ، ألا فأنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغرب الشمس ألا لكم الأجر مرتين " فغضبت اليهود والنصارى وقالوا : نحن أكثر عملا وأقل عطاء ؟ قال الله تعالى : هل ظلمتكم من حقكم شيئاً ؟ قالوا : لا قال : فإنه فضلي أعطيه من شئت " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد ابن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثني محمد بن العلاء ، حدثنا أبو أسامة عن يزيد عن أبي بردة عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قوماً يعملون له عملاً إلى الليل على أجر معلوم فعملوا إلى نصف النهار ، فقالوا : لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا ، وما عملناه باطل ، فقال لهم : لا تفعلوا ، أكملوا بقية عملكم ، وخذوا أجركم كاملاً ، فأبوا وتركوا ، واستأجر قوماً آخرين بعدهم ، فقال : أكملوا بقية يومكم هذا ولكم الذي شرطت لهم من الأجر ، فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالوا : ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه ، فقال : أكملوا بقية عملكم فإنما بقي من النهار شيء يسير فأبوا ، فاستأجر قوماً أن يعملوا له بقية يومهم فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس ، فاستكملوا أجر الفريقين كليهما فذلك مثلهم ومثل ما قبلوا من هذا النور " .
قوله تعالى : " لئلا يعلم أهل الكتاب " أي ليعلم ، و " أن لا " صلة زائدة مؤكدة ، قاله الأخفش . وقال الفراء : معناه لأن يعلم و " لا " صلة زائدة في كل كلام دخل عليه جحد . قال قتادة : حسد أهل الكتاب المسلمين فنزلت : " لئلا يعلم أهل الكتاب " أي لأن يعلم أهل الكتاب أنهم " لا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله " وقال مجاهد : قالت اليهود يوشك أن يخرج منا نبي يقطع الأيدي والأرجل . فلما خرج من العرب كفروا فنزلت : " لئلا يعلم " أي ليعلم أهل الكتاب " أن لا يقدرون " أي أنهم يقدرون ، كقوله تعالى : " ألا يرجع إليهم قولا{[14738]} " [ طه : 89 ] . وعن الحسن : " ليلا يعلم أهل الكتاب " وروي ذلك عن ابن مجاهد . وروى قطرب بكسر اللام وإسكان الياء{[14739]} . وفتح لام الجر لغة معروفة . ووجه إسكان الياء أن همزة " أن " حذفت فصارت " لن " فأدغمت النون في اللام فصار " للا " فلما اجتمعت اللامات أبدلت الوسطى منها ياء ، كما قالوا في أما : أيما . وكذلك القول في قراءة من قرأ " ليلا " بكسر اللام إلا أنه أبقى اللام على اللغة المشهورة فيها فهو أقوى من هذه الجهة . وعن ابن مسعود " لكيلا يعلم " وعن حطان بن عبدالله " لأن يعلم " . وعن عكرمة " ليعلم " وهو خلاف المرسوم . " من فضل الله " قيل : الإسلام . وقيل : الثواب . وقال الكلبي : من رزق الله . وقيل : نعم الله التي لا تحصى . " وأن الفضل بيد الله " ليس بأيديهم فيصرفون النبوة عن محمد صلى الله عليه وسلم إلى من يحبون . وقيل : " وأن الفضل بيد الله " أي هو له " يؤتيه من يشاء " وفي البخاري : حدثنا الحكم بن نافع ، قال حدثنا شعيب عن الزهري ، قال أخبرني سالم بن عبدالله ، أن عبدالله بن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو قائم على المنبر : ( إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس أعطي أهل التوراة التوراة فعملوا بها حتى انتصف النهار ثم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ، ثم أعطي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به حتى صلاة العصر ثم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا ، ثم أعطيتم القرآن فعملتم به حتى غروب الشمس فأعطيتم قيراطين قيراطين ، قال أهل التوراة : ربنا هؤلاء أقل عملا وأكثر أجرا قال هل ظلمتكم من أجركم من شيء ؟ قالوا : لا ، فقال فذلك فضلي أوتيه من أشاء ) في رواية : ( فغضبت اليهود والنصارى وقالوا ربنا . . . ) الحديث . " والله ذو الفضل العظيم " . [ تم تفسير سورة الحديد " والحمد لله ]{[14740]} .
ولما كان أهل الكتاب قد تابعوا أهويتهم على بغض الأميين{[62861]} ، وأشربت قلوبهم أن النبوة مختصة بهم لأنهم أولاد إبراهيم عليه السلام من ابنة عمه ، والعرب - وإن كانوا أولاده - فإنهم من الأمة وما دروا أن{[62862]} كونهم من أولاده مرشح لنبوة بعضهم وكونهم من الأمة ، مهيئ لعموم الرسالة لأجل عموم النسب ، قال دالاً على أنهم صاروا كالبهائم لا يبصرون إلا المحسوسات معلقاً الجار ب { آمنوا } و { يؤتكم } وما بعده : { لئلا يعلم } أي ليعلم{[62863]} علماً عظيماً يثبت{[62864]} مضمون خبره وينتفي ضده - بما أفاده زيادة النافي { أهل الكتاب } أي من الفريقين الذي اقتصروا على كتابهم وأنبيائهم ولم يؤمنوا بالنبي الخاتم وما أنزل عليه { ألا } أي أنهم لا { يقدرون } أي في زمن من الأزمان { على شيء } أي وإن قل{[62865]} { من فضل الله } أي الملك الأعلى الذي خصكم بما خصكم{[62866]} به لا يمنع ولا بإعطائكم حيث{[62867]} نزع النبوة منهم ووضعها في بني عمهم إسماعيل عليه السلام الذين كانوا لا يقيمون لهم وزناً فيقولون : إنهم بنو الأمة ، وإنهم أميون ، وإنهم ليس عليهم منهم سبيل ، وجعل النبوة التي خصكم بها عامة - كما أشار إليه ما في ابن الأمة من شمول بنسبته وانشعابه{[62868]} وحيث عملوا كثيراً وأعطوا قليلاً : " اليهود من أول النهار على {[62869]}قيراط قيراط ، والنصارى من الظهر على قيراط قيراط{[62870]} ، وهذه الأمة من صلاة العصر على قيراطين قيراطين ، فقال الفريقان{[62871]} : ما لنا أكثر عملاً وأقل أجراً ، قال هل ظلمتكم من حقكم شيئاً ، قالوا : لا ، قال : ذلك فضلي أوتيه من أشاء " وذكر ابن برجان معنى هذا الحديث - كما تقدم عنه قريباً - من الإنجيل وطبقه عليه وذكرته أنا{[62872]} في الأعراف ، روى الإمام أحمد{[62873]} في مواضع{[62874]} من المسند والبخاري في سبعة مواضع{[62875]} في الصلاة والإجارة وذكر بني إسرائيل وفضائل القرآن والتوحيد ، والترمذي في الأمثال{[62876]} - وقال : حسن صحيح - من وجوه شتى جمعت بين ألفاظها عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال{[62877]} : " {[62878]}مثلكم " - وفي هذه الرواية : " مثل هذه الأمة " ، وفي رواية : " مثل أمتي " وفي رواية : إنما مثلكم ومثل اليهود والنصارى كرجل{[62879]} ، وفي رواية : " مثلكم ومثل أهل الكتابين كمثل رجل استعمل عملاء " ، وفي رواية : " استأجر أجراء{[62880]} " فقال : " من يعمل لي من صلاة الصبح " و{[62881]}في رواية أخرى{[62882]} : " من غدوة إلى نصف النهار على قيراط{[62883]} ، ألا فعملت اليهود " - وفي رواية : " قالت اليهود : نحن - فعملوا ، ثم قال : من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر على قيراط ، ألا فعملته النصارى " ، وفي رواية : " قالت النصارى : نحن ، فعملوا ، ثم قال : من يعمل لي من صلاة العصر إلى غروب الشمس "
- وفي رواية : إلى أن تغيب الشمس - " على قيراطين قيراطين ، ألا فأنتم الذين{[62884]} عملتم " ، وفي رواية : {[62885]} " تعملون " ، وفي رواية " {[62886]} وأنتم المسلمون تعملون من صلاة العصر إلى الليل " ، وفي رواية " إلى مغارب " ، وفي رواية{[62887]} : " مغرب الشمس على قيراطين قيراطين ألا لكم الأجر مرتين ، فغضبت{[62888]} اليهود والنصارى " وقالوا : " نحن " - وفي رواية : " ما لنا{[62889]} - أكثر عملاً وأقل عطاء " ، وفي رواية " أجراً ، قال الله تعالى هل " - وفي رواية : " وهل - نقصتكم - " وفي رواية : " هل ظلمتكم - من حقكم شيئاً - " وفي رواية : " أجركم شيئاً ، قالوا : لا ، قال : فإنه " - وفي رواية : " فإنما - هو فضل " ، وفي رواية : " فذلك فضلي أوتيه من أشاء " ، وفي رواية : " أعطيه من شئت " وفي رواية : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم على المنبر يقول : " ألا إن بقاءكم " {[62890]} ، وفي رواية : " إنما بقاؤكم{[62891]} " ، وفي رواية : " إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم " - وفي رواية : " فيما سلف من قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر والمغرب " - وفي رواية : " إلى غروب الشمس " ، وفي رواية : " ألا إن مثل آجالكم في آجال الأمم قبلكم كما بين صلاة العصر إلى مغيربان " ، وفي رواية : " {[62892]}إلى مغرب " ، وفي رواية{[62893]} : " إلى مغارب الشمس ، أعطي " - وفي رواية : " أوتي - أهل التوراة التوراة ، فعملوا بها{[62894]} حتى انتصف النهار فعجزوا ، فأعطوا قيراطاً قيراطاً{[62895]} ، وأعطي " - وفي رواية : " ثم أوتي - أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به حتى " - وفي رواية : " إلى - صلاة العصر " ، وفي رواية " حتى صليت العصر ، ثم عجزوا فأعطوا قيراطاً قيراطاً ، ثم أعطيتم القرآن فعملتم به حتى غربت الشمس{[62896]} " ، وفي رواية : " حتى غروب الشمس فأعطيتم قيراطين قيراطين " ، وفي رواية : " ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس فأعطينا قيراطين قيراطين ، فقال أهل الكتابين " - وفي رواية : " أهل التوراة والإنجيل - ربنا هؤلاء أقل{[62897]} منا عملاً وأكثر أجراً " ، وفي رواية : " جزاء " ، وفي رواية : " أي ربنا أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين وأعطيتنا قيراطاً قيراطاً ، ونحن أكثر عملاً منهم ، قال الله تبارك وتعالى : هل{[62898]} " وفي رواية : " فهل ظلمتكم من أجركم " - وفي رواية : " من أجوركم - من شي ؟ فقالوا : لا ، فقال : فهو فضلي " ، وفي رواية " فذلك فضلي ، أوتيه من أشاء " وقد أخذ بعض العلماء من هذا الحديث ما قبل هذه الأمم وترك على ذلك أحوالها فقال : إنه دال على قوم نوح وإبراهيم عليهما السلام ، كان لهم الليل ، فكان قوم نوح في أوله في ظلام صرف طويل لم يلح لهم شيء من تباشير الضياء ولا أمارات الصبح ، ونوح عليه السلام يخبرهم به ويأمرهم بالتهيئ له ، فلذلك طال بلاؤه عليه السلام بهم ، وما آمن معه إلا قليل ، وأما قوم إبراهيم عليه السلام فكانوا كأنهم في أواخر الليل ، قد لاحت لهم تباشير الصباح وأومضت لهم بوارق الفلاح ، فلذلك آمن لوط عليه السلام وكذا سارة زوجته وأولاده{[62899]} منها ومن غيرها كلهم ، واستمر الإسلام في أولاده والنبوة حتى جاء موسى عليه السلام ، فكان وقته كما بين الصبح والظهر ، فكان قومه تارة وتارة ، تارة يحسبون أنهم في ضياء كيفما كانوا ، فيروغون يميناً وشمالاً فيكونون{[62900]} كمن دخل غيراناً وكهوفاً وأسراباً ثم يخرجون منها فيرجعون إلى الضياء ، فكانت غلطاتهم تارة كباراً وتارة صغاراً ، وأما قوم عيسى عليه السلام فكانوا كمن هو في الظهيرة في شدة الضياء فالغلط منه لا يكون إلا عن عمى عظيم{[62901]} ، فلذلك كان غلطهم أفظع الغلط وأفحشه - والله الموفق - { وإن } أي ولتعلموا أن { الفضل } أي{[62902]} الذي لا يحتاج إليه من هو عنده { بيد الله } أي الذي له الأمر كله { يؤتيه من يشاء } منهم أو من غيرهم نبوة كانت أو غيرها{[62903]} .
ولما كان ربما ظن ظان أنه لا يخص به إلا لأنه لا يسع جميع الناس دفع{[62904]} ذلك بقوله : { والله } أي الذي أحاط بجميع صفات الكمال { ذو الفضل العظيم * } أي مالكه ملكاً لا ينفك عنه ولا ملك لأحد فيه{[62905]} معه ولا تصرف بوجه أصلاً ، فلذلك يخص من يشاء بما يشاء ، فلا يقدر أحد على اعتراض بوجه ، فقد نزه له التنزيه الأعظم جميع ما في السماوات والأرض فهو العزيز الحكيم الذي لا عزيز غيره ولا حكيم سواه ، فقد انطبق كما ترى آخرها على أولها ، ورجع مفصلها على موصلها - والله الهادي {[62906]}للصواب وإليه المرجع والمآب{[62907]} .