في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبۡلَ يَوۡمِ ٱلۡحِسَابِ} (16)

وكان هذا رحمة بهم من الله . ولكنهم لم يعرفوا قدر هذه الرحمة ، ولم يشكروا الله هذه المنة . فاستعجلوا جزاءهم ، وطلبوا أن يوفيهم الله حظهم ونصيبهم ، قبل اليوم الذي أنظرهم إليه :

( وقالوا : ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب ) . .

وعند هذا الحد يتركهم السياق ويلتفت إلى الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] يسليه عن حماقة القوم وسوء أدبهم مع الله ، واستعجالهم بالجزاء ، وتكذيبهم بالوعيد ، وكفرهم برحمة الله . . ويدعوه أن يذكر ما وقع للرسل قبله من ابتلاء . وما نالهم من رحمة الله بعد البلاء . .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبۡلَ يَوۡمِ ٱلۡحِسَابِ} (16)

{ وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ } : أي : قال هؤلاء المكذبون ، من جهلهم ومعاندتهم الحق ، مستعجلين للعذاب : { رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا } أي : قسطنا وما قسم لنا من العذاب عاجلا { قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ } ولَجُّوا في هذا القول ، وزعموا أنك يا محمد ، إن كنت صادقا ، فعلامة صدقك أن تأتينا بالعذاب . .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبۡلَ يَوۡمِ ٱلۡحِسَابِ} (16)

ولما عجب منهم بما مضى ، وأبطل شبههم وعرفهم أنهم قد عرضوا أنفسهم للهلاك تعريضاً قريباً ، أتبع ذلك تعجيباً أشد من الأول فقال : { وقالوا } أي استهزاء غير هائبين ما هددناهم به ولا ناظرين في عاقبته : { ربنا } أي أيها المحسن إلينا { عجل لنا } أي إحساناً إلينا { قطنا } أي نصيباً من العذاب الذي توعدنا به وكتابنا الذي كتبت فيه ذلك وأحصيت فيه أعمالنا ، وأصله من قط الشيء - إذا قطعه ، ومنه قط القلم ، وأكثر استعماله في الكتاب .

ولما كان المراد بهذا المبالغة في الاستهزاء بطلب العذاب في جميع الأزمان التي بينهم وبين القيامة ، أسقطوا حرف الجر وقالوا : { قبل يوم الحساب * } فجعلوا جميع الزمان الذي بينهم وبينه ظرفاً لذلك ، وجعلوا تعجيله من الإحسان إليهم دلالة على الإعراق في الاستهزاء ، وعبر بالقط زيادة في التنبيه على ركوب الهوى من غير دليل فإن مادته دائرة في الأغلب على ما يكره ، واشتقاقه من القط وهو القطع ، فالقط النصيب والصك وكتاب المحاسبة لأنه قطعة من الورق ، والحساب قطعة من الأمور ، وهو يقطع فيه بما هو له ، والساعة - لأنها قطعة من الزمان ، وتقطقط الرجل : ركب رأسه أي تبع هواه الذي هو قطعة من أمره ، وجاءت الخيل قطاقط أي قطعاً وجماعات في تفرقة ، والقط : القطع ، والقطط : القصير الجعد ، والطقطقة : حكاية صوت الحجارة ، فكأنهم قالوا : عجل من ذلك ما يكون مقطوعاً به لا شك فيه ويسمع صوته على غاية الشدة فيهلك ويفرق بين الأحباب ويكتب في كل صك ، ويتلى خبره في سائر الأحقاب ، فإن ذلك هو أنا لا نرجع عنه لشيء أصلاً ، فسبحان الحليم الذي أكرمنا ورحمنا بنبي الرحمة ، فلم يعجل لنا النقمة ، وأقبل بقلوبنا إليه ، وقصر هممنا بعد أن كانت في أشد بعد عليه .