في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا يَخۡفَىٰ} (7)

( إلا ما شاء الله ) . . فهو الاحتراس الذي يقرر طلاقة المشيئة الإلهية ، بعد الوعد الصادق بأنه لا ينسى . ليظل الأمر في إطار المشيئة الكبرى ؛ ويظل التطلع دائما إلى هذه المشيئة حتى فيما سلف فيه وعد منها . ويظل القلب معلقا بمشيئة الله حيا بهذا التعلق أبدا . .

( إنه يعلم الجهر وما يخفى ) . . وكأن هذا تعليل لما مر في هذا المقطع من الإقرار والحفظ والاستثناء . . فكلها ترجع إلى حكمة يعلمها من يعلم الجهر وما يخفى ؛ ويطلع على الأمر من جوانبه جميعا ، فيقرر فيه ما تقتضيه حكمته المستندة إلى علمه بأطراف الأمر جميعا .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا يَخۡفَىٰ} (7)

{ إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ } مما اقتضت حكمته أن ينسيكه لمصلحة بالغة ، { إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى } ومن ذلك أنه يعلم ما يصلح عباده أي : فلذلك يشرع ما أراد ، ويحكم بما يريد{[1410]} .


[1410]:- كذا في ب، وفي أ: يحكم بما أراد، ويحكم بما يريد.
 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا يَخۡفَىٰ} (7)

قوله تعالى : " إلا ما شاء الله " وجه الاستثناء على ، ما قاله الفراء : إلا ما شاء اللّه ، وهو لم يشأ أن تنسى شيئا ، كقوله تعالى : " خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك{[15973]} " [ هود : 108 ] . ولا يشاء . ويقال في الكلام : لأعطينك كل ما سألت إلا ما شئت ، وإلا أن أشاء أن أمنعك ، والنية على ألا يمنعه شيئا . فعلى هذا مجاري الإيمان ، يستثنى فيها ونية الحالف التمام . وفي رواية أبي صالح عن ابن عباس : فلم ينس بعد نزول هذه الآية حتى مات ، " إلا ما شاء اللّه " . وعن سعيد عن قتادة ، قال : كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا ينسى شيئا ، " إلا ما شاء اللّه " . وعلى هذه الأقوال قيل : إلا ما شاء اللّه أن ينسى ، ولكنه لم ينسى شيئا منه بعد نزول هذه الآية . وقيل : إلا ما شاء اللّه أن ينسى ، ثم يذكر بعد ذلك ، فإذاً قد نسي ، ولكنه يتذكر ولا ينسى نسيانا كليا . وقد روي أنه أسقط آية في قراءته في الصلاة ، فحسب أبي أنها نسخت ، فسأله فقال : [ إني نسيتها ] . وقيل : هو من النسيان ، أي إلا ما شاء اللّه أن ينسيك . ثم قيل : هذا بمعنى النسخ ، أي إلا ما شاء اللّه أن ينسخه . والاستثناء نوع من النسخ . وقيل . النسيان بمعنى الترك ، أي يعصمك من أن تترك العمل به ، إلا ما شاء اللّه أن تتركه لنسخه إياه . فهذا في نسخ العمل ، والأول في نسخ القراءة . قال الفرغاني : كان يغشى مجلس الجنيد أهل البسط من العلوم ، وكان يغشاه ابن كيسان النحوي ، وكان رجلا جليلا ، فقال يوما : ما تقول يا أبا القاسم في قول اللّه تعالى : " سنقرئك فلا تنسى " ؟ فأجابه مسرعا - كأنه تقدم له السؤال قبل ذلك بأوقات : لا تنسى العمل به . فقال ابن كيسان : لا يفضض اللّه فاك مثلك من يصدر عن رأيه . وقوله " فلا " : للنفي لا للنهي . وقيل : للنهي ، وإنما أثبتت الياء{[15974]} لأن رؤوس الآي على ذلك . والمعنى : لا تغفل عن قراءته وتكراره فتنساه ، إلا ما شاء اللّه أن ينسيكه برفع تلاوته للمصلحة . والأول هو المختار ؛ لأن الاستثناء من النهي لا يكاد يكون إلا مؤقتا معلوما . وأيضا فإن الياء مثبتة في جميع المصاحف ، وعليها القراء . وقيل : معناه إلا ما شاء اللّه أن يؤخر إنزاله . وقيل : المعنى فجعله غثاء أحوى إلا ما شاء اللّه أن ينال بنو آدم والبهائم ، فإنه لا يصير كذلك .

قوله تعالى : " إنه يعلم الجهر وما يخفى " أي الإعلان من القول والعمل . " وما يخفى " من السر . وعن ابن عباس : ما في قلبك ونفسك . وقال محمد بن حاتم : يعلم إعلان الصدقة وإخفاءها . وقيل : الجهر ما حفظته من القرآن في صدرك . " وما يخفى " هو ما نسخ من صدرك .


[15973]:آية 108 سورة هود.
[15974]:يريد الألف في (تنسى)، وأصلها الياء (نسى ينسى).
 
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي - ابن جزي [إخفاء]  
{إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا يَخۡفَىٰ} (7)

{ إلا ما شاء الله } فيه وجهان :

أحدهما : أن معناه لا تنسى إلا ما شاء الله أن تنساه كقوله : { أو ننسها } [ البقرة : 106 ] والآخر : أنه لا ينسى شيئا ولكن قال : { إلا ما شاء الله } تعظيما لله بإسناد الأمر إليه كقوله : { خالدين فيها إلا ما شاء الله } [ الأنعام : 128 ] على بعض الأقوال وعبر الزمخشري عن هذا : بأنه من استعمال التقليل في معنى النفي ، والأول أظهر فإن النسيان جائز على النبي صلى الله عليه وسلم فيما أراد الله أن يرفعه من القرآن أو فيما قضى الله أن ينساه ثم يذكره ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع قراءة عباد بن بشير رحمه الله : " لقد أذكرني كذا وكذا آية كنت قد نسيتها " .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا يَخۡفَىٰ} (7)

قوله : { إلا ما شاء الله } إلا ما شاء الله أن ينسيه إياه فلا يذكره . وقيل : المستثنى ما نسخه الله من القرآن فرفع حكمه وتلاوته .

قوله : { إنه يعلم الجهر وما يخفى } الله يعلم كل أعمالك يا محمد ، سرها وعلانيتها . ويعلم منها ما ظهر وما بطن . أو يعلم ما أسررتم وما أعلنتم من أقوالكم وأفعالكم . وقيل : يعلم أنك تجهر بالقراءة مع قراءة جبريل خشية التفلّت . والله يعلم جهرك معه وما في نفسك مما يحملك على الجهر . فلا تفعل فإني كافيك ما تخافه .