المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا يَخۡفَىٰ} (7)

وقوله تعالى : { إلا ما شاء الله } ، قال الحسن وقتادة وغيره مما قضى الله تعالى بنسخه ، وأن ترفع تلاوته وحكمه . وقال الفراء وجماعة من أهل المعاني : هو استثناء صلة في الكلام على سنة الله تعالى في الاستثناء ، وليس ثم شيء أبيح نسيانه ، وقال ابن عباس : { إلا ما شاء الله } أن ينسيكه لتسن به على نحو قوله عليه السلام «إني لأنسى أَو أُنَسَّى لأسنَّ {[11751]} » وقال بعض المتأولين : { إلا ما شاء الله } أن يغلبك النسيان عليه ثم يذكرك به بعد ، ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع قراءة عباد بن بشر يرحمه الله : «لقد أذكرني كذا في سورة كذا وكذا{[11752]} » .

قال القاضي أبو محمد : ونسيان النبي صلى الله عليه وسلم ممتنع فيما أمر بتبليغه ، إذ هو معصوم فإذا بلغه ووعي عنه ، فالنسيان جائز على أن يتذكر بعد ذلك وعلى أن يسنَّ ، أو على النسخ ، ثم أخبر تعالى { إنه يعلم الجهر } من الأشياء { وما يخفى } منها ، وذلك لإحاطته بكل شيء علماً ، وبهذا يصح الخبر بأنه لا ينسى شيئاً إلا ذكره الله تعالى به


[11751]:أخرجه الإمام مالك في الموطأ باب السهو.
[11752]:أخرجه البخاري في الشهادات، ومسلم في المسافرين، وأحمد في مسنده (6/62، 5/153)، ولفظه كما في البخاري: عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يقرأ في المسجد فقال: رحمه الله، لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتهن من سورة كذا وكذا، وزاد عباد بن عبد الله عن عائشة: تهجد النبي صلى الله عليه وسلم في بيتي، فسمع صوت عباد في المسجد، فقال: يا عائشة، أصوت عباد هذا؟ قلت: نعم، قال: اللهم ارحم عبادا. هذا وعباد بن بشر من قدماء الصحابة، أسلم قبل الهجرة، وشهد بدرا، وأبلى يوم اليمامة فاستشهد بها، رحمه الله.