السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا يَخۡفَىٰ} (7)

وفي المشيئة في قوله تعالى : { إلا ما شاء الله } أي : المَلِك الذي له الأمر كله وجوه : أحدها : التبرّك بهذه الكلمة كقوله تعالى : { ولا تقولنّ لشيءٍ إني فاعل ذلك غداً 23 إلا أن يشاء الله } [ الكهف : 23 24 ] فكأنه تعالى يقول : إني عالم بجميع المعلومات ، وعالم بعواقب الأمور على التفصيل ، ومع ذلك لا أخبر بوقوع شيء في المستقبل إلا مع هذه الكلمة ، فأنت وأمّتك يا أشرف الخلق أولى بها .

ثانيها : قال الفرّاء : إنه تعالى ما شاء أن ينسى محمداً صلى الله عليه وسلم شيئاً ؛ إلا أن المقصود من ذكر هذا الاستثناء بيان أنه تعالى يصيره ناسياً لذلك لقدر عليه كقوله تعالى : { ولئن شئنا لنذهبنّ بالذي أوحينا إليك } [ الإسراء : 86 ] ثم إنا نقطع أنه تعالى ما شاء ذلك . ونظيره قوله تعالى : { لئن أشركت ليحبطنّ عملك } [ الزمر : 65 ] مع أنه صلى الله عليه وسلم ما أشرك البتة ففائدة هذا الاستثناء أنّ الله تعالى يعرفه قدرته حتى يعلم أنّ عدم النسيان من فضل الله تعالى وإحسانه لا من قوّته .

ثالثها : أنّ الله تعالى لما ذكر هذا الاستثناء جوّز صلى الله عليه وسلم في كل ما ينزل عليه من الوحي أن يكون ذلك هو المستثنى ، فلا جرمٌ بالغ في التثبت والتحفظ في جميع المواضع ، فكان المقصود من ذكر الاستثناء بقاؤه صلى الله عليه وسلم على التيقظ في جميع الأحوال .

رابعها : أن ينساه بنسخ تلاوته وحكمه ، وكان صلى الله عليه وسلم يجهر بالقراءة مع قراءة جبريل عليه السلام خوف النسيان فكأنه قيل له : لا تعجل بها إنك لا تنسى ولا تتعب نفسك بالجهر بها .

{ إنه } أي : الذي مهما شاء كان { يعلم الجهر } أي : القول والفعل { وما يخفى } أي : منهما ، وعن ابن عباس رضي الله عنهما : ما في قلبك ونفسك . وقال محمد بن حاتم يعلم إعلان الصدقة وإخفاءها . وقيل : الجهر ما حفظته من القرآن في صدرك ، وما يخفى ما نسخ من صدرك .