الآية 7 : وقوله تعالى : { إلا ما شاء الله } قال بعضهم : { إلا ما شاء الله } من ذلك ، فإنه ينسيك ما أراد أن ينسيكه . ولكن ما أرى هذا التأويل صحيحا ؛ وذلك أن الذي أوحى إليه آية نبوته ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أقرئ{[23511]} ، ثم أنسي ، فلن يطعن في رسالته ، إن يستقرئه تلك الآية ، ولا يتهيأ له أن يقرأها إذا كان قد أنسي ، فيجد موضع الطعن عليه .
وقد روي في بعض الأخبار أنه أنسي ، ولكنه{[23512]} من أخبار الآحاد ، ولا يجوز الحكم بها ، لأن خبر الآحاد يوجب علم العمل به ، لا يوجب علم الشهادة ، وهو في موضع الشهادة ههنا .
ولكن تأويله عندنا ، والله أعلم ، يخرج على أوجه ثلاثة :
أحدها : أن الأنبياء عليهم السلام ، لم يكونوا آمنين على أنفسهم بالعصمة عن الزلات التي لديها يخاف زوال ما أنعموا به ، وإن ظهرت عصمتهم اليوم عندنا .
ألا ترى إلى قصة إبراهيم عليه السلام : عند محاجة قومه : { قال أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا }[ الأنعام : 80 ] وقال : { واجنبني وبني أن نعبد الأصنام } ؟ [ إبراهيم : 35 ] فخاف زوال ما أكرم به ، وخشي أن يبتلى بما ابتلي به أهل المعاصي حتى فزع إلى الدعاء . وقال في قصة شعيب عليه السلام : { وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله } [ الأعراف : 89 ] وقال في قصة يوسف عليه السلام : { ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله } [ يوسف : 76 ] فثبت أنه لم يبين لهم حقيقة العصمة عن الوقوع في الزلات التي تزيل النعم .
فكذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يأمن عما يعقب الإنسان ، بل قيل له : { سنقرئك فلا تنسى } { إلا ما شاء الله } .
ألا ترى إلى قوله تعالى : { ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك } ؟ [ الزمر : 65 ] فثبت أنهم كانوا على خوف ووجل من ارتكاب ما يسلب به الوحي ، وينسى .
[ الثاني : أن ]{[23513]} يكون الاستثناء راجعا إلى إنساء{[23514]} حكمه ، وهو أن ينسخ حكمه حتى يترك ، وينسى ، ويصير كالمنسي كقوله تعالى : { نسوا الله فنسيهم } [ التوبة : 67 ] أي جعلهم كالشيء المنسي بما أنساهم من رحمته ، لا أن يكون هناك حقيقة نسيان ، فكذلك إذا نسخ حكمه ، وترك ، صار كالمنسي ، وإن لم يكن فيه حقيقة نسيان ، فيكون النسيان منصرفا إلى حكم التلاوة لا إلى عينها .
[ الثالث : أن ]{[23515]} يكون عليه السلام ، يذهب خاطره عن وهمه ، كأنه نسيه ، وكان يعود ذلك إليه عند إحضاره ذهنه كما ترى المرء في الشاهد يذهب عن وهمه جميع ما في فاتحة الكتاب من الحروف إذا أعمل رؤيته في أشياء أخرى حتى يصير كالناسي لها ، وإن كان يعود إلى تذكرها إذا رام أن يقرأها .
فعلى هذه التأويلات يستقيم أن يوجه إليه الاستثناء ، والله أعلم .
[ وقوله تعالى ]{[23516]} : { إنه يعلم الجهر وما يخفى } أي ما يجهر بعض لبعض من الخلائق أو ما يسر بعض عن بعض ، أو يعلم ما يطلع عليه الملائكة من أعمالهم ، ويعلم ما يعزب عنهم .
فعلمه في ما أسر العبد كعلمه في ما أظهر ، وجهر به . فذكرهم هذا ليكونوا متيقظين ، فلا يخفون{[23517]} ولا يجهرون إلا الذي يحق عليهم ، إذ الله تعالى حفيظ عليهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.