الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا يَخۡفَىٰ} (7)

قوله : { إِلاَّ مَا شَآءَ اللَّهُ } : فيه أوجهٌ ، أحدُها : أنَّه مفرغٌ ، أي : إلاَّ ما شاءَ الله أن يُنْسِيَكَهُ فإنك تَنْساه . والمرادُ رَفْعُ تلاوتِه . وفي الحديث : " أنه كان يُصبح فينسَى الآياتِ لقولِه : { مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا } [ البقرة : 106 ] . وقيل : إنَّ المعنى بذلك القِلَّةُ والنُّدْرَةُ ، كما رُوِيَ " أنه عليه السلام أسقطَ آيةً في صلاتِه ، فحسِب أُبَيٌّ أنها نُسِخَتْ ، فسأله فقال : " نَسِيْتُها " " وقال الزمخشري : " الغَرَضُ نَفْيُ النِّسْيان رَأْساً ، كما يقول الرجل لصاحبه : أنت سَهِيْمي فيما أَمْلِكُ إلاَّ ما شاء اللَّهُ ، ولم يَقْصِدْ استثناءَ شيءٍ ، وهو مِنْ استعمالِ القلَّة في معنى النفي " انتهى . وهذا القولُ سبقَه إليه الفراء ومكي . وقال الفراء وجماعة معه : " هذا الاستثناءُ صلةٌ في الكلام على سنةِ الله تعالى في الاستثناء . وليس [ ثم ] شيءٌ أُبيح استثناؤُه " . قال الشيخ : " هذا لا يَنْبغي أَنْ يكونَ في كلامِ اللَّهِ تعالى ولا في كلامٍ فصيحٍ ، وكذلك القولُ بأنَّ " لا " للنهي ، والألفَ فاصلةٌ " انتهى . وهذا الذي قاله الشيخُ لم يَقْصِدْه القائلُ بكونِه صلةً ، أي : زائداً مَحْضاً بل المعنى الذي ذكره ، وهو المبالغةُ في نَفْي النسيانِ أو النهي عنه .

وقال مكي : " وقيل : معنى ذلك ، إلاَّ ما شاء الله ، وليس يشاءُ اللَّهُ أَنْ يَنْسَى منه شيئاً ، فهو بمنزلةِ قولِه في هود في الموضعَيْنِ : خالِدِيْنَ فيها ما دامَتِ السماواتُ والأرضُ إلاَّ ما شاء ربُّك " وليس جَلَّ ذِكْرُه تَرَكَ شيئاً من الخلودِ لتقدُّمِ مَشيئتِه بخُلودِهم " . وقيل : هو استثناءٌ مِنْ قولِه { فَجَعَلَهُ غُثَآءً أَحْوَى } . نقله مكي . وهذا يَنْبغي أَنْ لا يجوزَ البتة .

قوله : { وَمَا يَخْفَى } " ما " اسميةٌ . ولا يجوزُ أَنْ تكونَ مصدريةً لئلا يَلْزَمَ خُلُوُّ الفعلِ مِنْ فاعل . ولولا ذلك لكان المصدريةُ أحسنَ لِيُعْطَفَ مصدرٌ مؤولٌ على مثلِه صريح .