الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا يَخۡفَىٰ} (7)

{ سَنُقْرِئُكَ } : سنعلمك ويقرأ عليك جبريل ، { فَلاَ تَنسَى * إِلاَّ مَا شَآءَ اللَّهُ } أن تنساه وهو ما ننسخه من القرآن ، وهذا معنى قول قتادة ، وقال مجاهد والكلبي : كان النبي ( عليه السلام ) إذا نزل جبريل بالقرآن لم يفرغ من آخر الآية حتى يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بأوله مخافة أن ينساها فأنزل الله تعالى : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى } فلم ينس بعد ذلك شيئاً ، ووجه الاستثناء على هذا التأويل ما قاله الفراء : لم يشأ أن ينسى شيئاً ، وهو كقوله سبحانه :

{ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ } [ هود : 107 ] ، وأنت تقول في الكلام لأعطينّك كل ما سألت إلاّ ما شاء أن أمنعك والنية أن لا تمنعه ، وعلى هذا مجاري الأيمان يستثنى فيها ونية الحالف النمّام .

وسمعت محمد بن الحسن السلمي يقول : سمعت محمد بن الحسن البغدادي يقول : سمعت محمد بن عبد الله الفرغاني يقول : كان يغشي الجنيد في مجلسه أهل النسك من أهل العلوم وكان أحد مَنْ يغشاه ابن كيسان النحوي ، وكان في وقته رجلا جليلا فقال له يوماً : يا أبا القاسم ما تقول في قوله سبحانه : { سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَى } فأجابه مسرعاً كأنه تقدم له السؤال قبل ذلك بأوقات : لا تنسى العمل به ، فأعجب ابن كيسان به إعجاباً شديداً وقال : لا يفضض الله فاك مثلك من يصدر عن رأيه .

{ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ } من القول والفعل { وَمَا يَخْفَى } : قال محمد بن حامد : يعلم إعلان الصدقة واخفاءها .