إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا يَخۡفَىٰ} (7)

وقولُه تعالى : { إِلا مَا شَاء الله } استثناءٌ مفرعٌ منْ أعمِّ المفاعيلِ ، أيْ لا تَنْسى ممَّا تقرؤُه شيئاً من الأشياءِ إلا ما شاءَ الله أنْ تنساهُ أبداً بأنْ نُسخَ تلاوتُه ، والالتفاتُ إلى الاسم الجليلِ لتربيةِ المهابةِ والإيذانِ بدورانِ المشيئةِ على عُنوانِ الأُلوهيةِ المستتبعةِ لسائرِ الصفاتِ ، وقيل : المرادُ به النسيانُ في الجملةِ على القلةِ والندرةِ كما رُويَ أنه عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ أسقطَ آيةً في قراءتِه في الصلاةِ حسبَ أبيُّ أنها نُسختْ فسألَه فقالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ «نسيتُها »{[841]} ، وقيلَ : نَفيُ النسيانِ رأساً فإنَّ القَّلةَ قد تُستعملُ في النَّفي فالمرادُ بالنسيانِ حينئذٍ النيسانُ بالكليةِ إذُ هو المنفيُّ رأساً لا ما قَدْ يُنسى ثم يُدكرُ . { إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر وَمَا يخفى } تعليلٌ لمَا قبلَهُ أيْ ما ظهرَ وما بطنَ من الأمورِ التي من جُملتِها ما أُوحيَ إليكَ فيُنْسِي ما يشاءُ إنساءَهُ ويُبقي محفوظاً ما يشاءُ إبقاءَهُ لما نيطَ بكلَ منهُما من مصالحِ دينِكم .


[841]:أخرجه أحمد في المسند (6/62) بلفظ "لقد أذكرني آية كنت نسيتها".