فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{إِلَّا مَا شَآءَ ٱللَّهُۚ إِنَّهُۥ يَعۡلَمُ ٱلۡجَهۡرَ وَمَا يَخۡفَىٰ} (7)

وقوله : { إِلاَّ مَا شَاء الله } استثناء مفرغ من أعمّ المفاعيل : أي لا تنسى مما تقرأه شيئًا من الأشياء إلاَّ ما شاء الله أن تنساه . قال الفرّاء : وهو لم يشأ سبحانه أن ينسي محمد صلى الله عليه وسلم شيئًا كقوله : { خالدين فِيهَا مَا دَامَتِ السموات والأرض إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ } [ هود : 107 ] . وقيل : إلا ما شاء الله أن تنسى ثم تذكر بعد ذلك ، فإذن قد نسي ولكنه يتذكر ولا ينسى شيئًا نسياناً كلياً . وقيل : بمعنى النسخ : أي إلاَّ ما شاء الله أن ينسخه مما نسخ تلاوته . وقيل : معنى { فلا تنسى } : فلا تترك العمل إلاَّ ما شاء الله أن تتركه لنسخه ورفع حكمه . وقيل المعنى : إلاَّ ما شاء الله أن يؤخر إنزاله . وقيل : «لا » في قوله : { فَلاَ تنسى } للنهي . والألف مزيدة لرعاية الفاصلة ، كما في قوله : { فَأَضَلُّونَا السبيلا } [ الأحزاب : 67 ] يعني : فلا تغفل قراءته وتذكره . { إِنَّهُ يَعْلَمُ الجهر وَمَا يخفى } الجملة تعليل لما قبلها : أي يعلم ما ظهر وما بطن والإعلان والإسرار ، وظاهره العموم ، فيندرج تحته ما قيل : إن الجهر ما حفظه رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن ، وما يخفى هو ما نسخ من صدره ، ويدخل تحته أيضاً ما قيل من أن الجهر هو إعلان الصدقة ، وما يخفى هو إخفاؤها ، ويدخل تحته أيضاً ما قيل : إن الجهر جهره صلى الله عليه وسلم بالقرآن مع قراءة جبريل مخافة أن يتفلت عليه ، وما يخفى ما في نفسه مما يدعوه إلى الجهر .

/خ19