في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة النبأ

هذا الجزء كله - ومنه هذه السورة - ذو طابع غالب . . سوره مكية فيما عدا سورتي " البينة " و " النصر " وكلها من قصار السور على تفاوت في القصر . والأهم من هذا هو طابعها الخاص الذي يجعلها وحدة - على وجه التقريب - في موضوعها واتجاهها ، وإيقاعها ، وصورها وظلالها ، وأسلوبها العام .

إنها طرقات متوالية على الحس . طرقات عنيفة قوية عالية . وصيحات . صيحات بنوم غارقين في النوم ! نومهم ثقيل ! أو بسكارى مخمورين ثقل حسهم الخمار ! أو بلاهين في سامر راقصين في ضجة وتصدية ومكاء ! تتوالى على حسهم تلك الطرقات والصيحات المنبثقة من سور هذا الجزء كله بإيقاع واحد ونذير واحد : اصحوا . استيقظوا . انظروا . تلفتوا . تفكروا . تدبروا . . إن هنالك إلها . وإن هنالك تدبيرا . وإن هنالك تقديرا . وإن هنالك ابتلاء . وإن هنالك تبعة . وإن هنالك حسابا . وإن هنالك جزاء . وإن هنالك عذابا شديدا . ونعيما كبيرا . . اصحوا . استيقظوا . انظروا تلفتوا تفكروا تدبروا وهكذا مرة أخرى وثالثة ورابعة وخامسة وعاشرة ومع الطرقات والصيحات يد قوية تهز النائمين المخمورين السادرين هزا عنيفا . . وهم كأنما يفتحون أعينهم ينظرون في خمار مرة ، ثم يعودون لما كانوا فيه ! فتعود اليد القوية تهزهم هزا عنيفا ؛ ويعود الصوت العالي يصيح بهم من جديد ؛ وتعود الطرقات العنيفة على الأسماع والقلوب . . وأحيانا يتيقظ النوام ليقولوا : في إصرار وعناد : لا . . ثم يحصبون الصائح المنذر المنبه بالأحجار والبذاء . . ثم يعودون لما كانوا فيه . فيعود إلى هزهم من جديد .

هكذا خيل إلي وأنا أقرأ هذا الجزء . وأحس تركيزه على حقائق معينة قليلة العدد ، عظيمة القدر ، ثقيلة الوزن . وعلى إيقاعات معينة يلمس بها أوتار القلوب . وعلى مشاهد معينة في الكون والنفس . وعلى أحداث معينة في يوم الفصل . وأرى تكرارها مع تنوعها . هذا التكرار الموحي بأمر وقصد !

وهكذا يحس القارئ وهو يقرأ : ( فلينظر الإنسان إلى طعامه . . . ) . . ( فلينظر الإنسان مم خلق ? . . . ) . . ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ? وإلى السماء كيف رفعت ? وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت ? ) .

وهو يقرأ : ( أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها ? رفع سمكها فسواها . وأغطش ليلها وأخرج ضحاها . والأرض بعد ذلك دحاها . أخرج منها ماءها ومرعاها . والجبال أرساها . متاعا لكم ولأنعامكم ) . . ( ألم نجعل الأرض مهادا ? والجبال أوتادا ? وخلقناكم أزواجا ? وجعلنا نومكم سباتا ? وجعلنا الليل لباسا ? وجعلنا النهار معاشا ? وبنينا فوقكم سبعا شدادا ? وجعلنا سراجا وهاجا ? وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا ? لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا ? ) . . . . ( فلينظر الإنسان الي طعامه . أنا صببنا الماء صبا . ثم شققنا الأرض شقا . فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا ، وحدائق غلبا ، وفاكهة وأبا . متاعا لكم ولأنعامكم ) . .

وهو يقرأ( يا أيها الإنسان . ما غرك بربك الكريم ، الذي خلقك فسواك فعدلك ، في أي صورة ما شاء ركبك ? ) . .

( سبح اسم ربك الأعلى ، الذي خلق فسوى ، والذي قدر فهدى . والذي أخرج المرعى . فجعله غثاء أحوى ) . . ( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ، ثم رددناه أسفل سافلين ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون . فما يكذبك بعد بالدين ? أليس الله بأحكم الحاكمين ? ) . .

وهو يقرأ : إذا الشمس كورت ، وإذا النجوم انكدرت ، وإذا الجبال سيرت ، وإذا العشار عطلت ، وإذا الوحوش حشرت ، وإذا البحار سجرت ، وإذا النفوس زوجت ، وإذا الموؤودة سئلت بأي ذنب قتلت ? ( وإذا الصحف نشرت ، وإذا السماء كشطت ، وإذا الجحيم سعرت ، وإذا الجنة أزلفت . علمت نفس ما أحضرت ) . . ( إذا السماء انفطرت ، وإذا الكواكب انتثرت ، وإذا البحار فجرت ، وإذا القبور بعثرت . علمت نفس ما قدمت وأخرت ) . . ( إذا السماء انشقت . وأذنت لربها وحقت . وإذا الأرض مدت ، وألقت ما فيها وتخلت ، وأذنت لربها وحقت . . . ) ( إذا زلزلت الأرض زلزالها ، وأخرجت الأرض أثقالها ، وقال الإنسان مالها . . يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها ) . .

وهو يقرأ اللمحات والسبحات الكونية في مفاتح عدد من السور وفي ثناياها : ( فلا أقسم بالخنس . الجوار الكنس . والليل إذا عسعس . والصبح إذا تنفس ) . . ( فلا أقسم بالشفق ، والليل وما وسق . والقمر إذا اتسق ) . . ( والفجر . وليال عشر . والشفع والوتر . والليل إذا يسر ) . . ( والشمس وضحاها . والقمر إذا تلاها . والنهار إذا جلاها . والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها . والأرض وما طحاها . ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها ) . . ( والليل إذا يغشى . والنهار إذا تجلى . وما خلق الذكر والأنثى ) . . ( والضحى . والليل إذا سجى ) . .

الخ . . الخ . .

وفي الجزء كله تركيز على النشأة الأولى للإنسان والأحياء الأخرى في هذه الأرض من نبات وحيوان . وعلى مشاهد هذا الكون وآياته في كتابه المفتوح . وعلى مشاهد القيامة العنيفة الطامة الصاخة القارعة الغاشية . ومشاهد الحساب والجزاء من نعيم وعذاب في صور تقرع وتذهل وتزلزل كمشاهد القيامة الكونية في ضخامتها وهولها . . واتخاذها جميعا دلائل على الخلق والتدبير والنشأة الأخرى وموازينها الحاسمة . مع التقريع بها والتخويف والتحذير . . وأحيانا تصاحبها صور من مصارع الغابرين من المكذبين . والأمثلة على هذا هي الجزء كله . ولكنا نشير إلى بعض النماذج في هذا التقديم :

هذه السورة - سورة النبأ - كلها نموذج كامل لهذا التركيز على هذه الحقائق والمشاهد . ومثلها سورة " النازعات " وسورة " عبس " تحتوي مقدمتها إشارة إلى حادث معين من حوادث الدعوة . . وبقيتها كلها حديث عن نشأة الحياة الإنسانية والحياة النباتية ثم عن الصاخة : ( يوم يفر المرء من أخيه ، وأمه ، وأبيه ، وصاحبته وبنيه ، لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه . وجوه يومئذ مسفرة . ضاحكة مستبشرة ، ووجوه يومئذ عليها غبرة ، ترهقها قترة ) . وسورة " التكوير " وهي تصور مشاهد الانقلاب الكوني الهائلة في ذلك اليوم ، مع عرض مشاهد كونية موحية في صدد القسم على حقيقة الوحي وصدق الرسول . وسورة " الانفطار " كذلك في عرض مشاهد الانقلاب مع مشاهد النعيم والعذاب ، وهز الضمير البشري أمام هذه وتلك : ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم . . . )الخ " وسورة " الانشقاق " وهي تعرض مشاهد الانقلاب الكوني ومشاهد النعيم والعذاب . . وسورة " البروج " وهي تلقي إيقاعات سريعة حول مشاهد الكون ومشاهد اليوم بصدد إشارة إلى تعذيب الكفار لجماعة من المؤمنين في الدنيا بالنار . وعذاب الله لأولئك الكفار في الآخرة بالنار . وهو أشد وأنكى . .

وسورة " الطارق " . . وهي تعرض مشاهد كونية مع نشأة الإنسان ونشأة النبات للقسم بالجميع : ( إنه لقول فصل ، وما هو بالهزل ) . . وسورة " الأعلى " وتتحدث عن الخلق والتسوية والتقدير والهداية ، وإخراج المرعى وأطواره تمهيدا للحديث عن الذكر والآخرة والحساب والجزاء . . وسورة " الغاشية " . . وهي تصوير لمشاهد النعيم والعذاب . ثم توجيه إلى خلق الإبل والسماء والأرض والجبال . . وهكذا . . وهكذا . . إلى نهاية الجزء باستثناء سور قليلة تتحدث عن حقائق العقيدة ومنهج الإيمان . كسورة الإخلاص . وسورة الكافرون . وسورة الماعون . وسورة العصر . وسورة القدر . وسورة النصر . أو تسري عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وتواسيه وتوجهه إلى الإستعاذه بربه من كل شر ، كسور الضحى . والانشراح . والكوثر . والفلق . والناس . . وهي سور قليلة على كل حال . .

وهناك ظاهرة أخرى في الأداء التعبيري لهذا الجزء . هناك أناقة واضحة في التعبير ، مع اللمسات المقصودة لمواطن الجمال في الوجود والنفوس ، وافتنان مبدع في الصور والظلال والإيقاع الموسيقي والقوافي والفواصل ، تتناسق كلها مع طبيعته في خطاب الغافلين النائمين السادرين ، لإيقاظهم واجتذاب حسهم وحواسهم بشتى الألوان وشتى الإيقاعات وشتى المؤثرات . . يتجلى هذا كله بصورة واضحة في مثل تعبيره اللطيف عن النجوم التي تخنس وتتوارى كالظباء في كناسها وتبرز ، وعن الليل وكأنه حي يعس في الظلام ، والصبح وكأنه حي يتنفس بالنور : ( فلا أقسم بالخنس ، الجوار الكنس ؛ والليل إذا عسعس . والصبح إذا تنفس )وفي عرضه لمشاهد الغروب والليل والقمر : ( فلا أقسم بالشفق ، والليل وما وسق ، والقمر إذا اتسق ) . أو لمشاهد الفجر والليل وهو يتمشى ويسري : ( والفجر . وليال عشر . والشفع والوتر . والليل إذا يسر ) . ( والضحى . والليل إذا سجى ) . وفي خطابه الموحي للقلب البشري : ( يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ? الذي خلقك فسواك فعدلك . . )وفي وصف الجنة : ( وجوه يومئذ ناعمة ، لسعيها راضية ، في جنة عالية ، لا تسمع فيها لاغية . . . )ووصف النار : وأما من خفت موازينه فأمه هاوية . وما أدراك ما هيه ? نار حامية ! . . والأناقة في التعبير واضحة وضوح القصد في اللمسات الجمالية لمشاهد الكون وخوالج النفس .

والعدول أحيانا عن اللفظ المباشر إلى الكناية ، وعن اللفظ القريب إلى الاشتقاق البعيد ، لتحقيق التنغيم المقصود ، مما يؤكد هذه اللفتة خلال الجزء كله على وجه التقريب . .

وهذه السورة نموذج لاتجاه هذا الجزء بموضوعاته وحقائقه وإيقاعاته ومشاهده وصوره وظلاله وموسيقاه ولمساته في الكون والنفس ، والدنيا والآخرة ؛ واختيار الألفاظ والعبارات لتوقع أشد إيقاعاتها أثرا في الحس والضمير .

وهي تفتتح بسؤال موح مثير للاستهوال والاستعظام وتضخيم الحقيقة التي يختلفون عليها ، وهي أمر عظيم لا خفاء فيه ، ولا شبهة ؛ ويعقب على هذا بتهديدهم يوم يعلمون حقيقته : ( عم يتساءلون ? عن النبأ العظيم ، الذي هم فيه مختلفون . كلا سيعلمون . ثم كلا سيعلمون ! ) . .

ومن ثم يعدل السياق عن المعنى في الحديث عن هذا النبأ ويدعه لحينه ، ويلفتهم إلى ما هو واقع بين أيديهم وحولهم ، في ذوات أنفسهم وفي الكون حولهم من أمر عظيم ، يدل على ما وراءه ويوحي بما سيتلوه : ( ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا ? وخلقناكم أزواجا ? وجعلنا نومكم سباتا ? وجعلنا الليل لباسا ، وجعلنا النهار معاشا ? وبنينا فوقكم سبعا شدادا ? وجعلنا سراجا وهاجا ? وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا ? لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا ? ) .

ومن هذا الحشد من الحقائق والمشاهد والصور والإيقاعات يعود بهم إلى ذلك النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون ، والذي هددهم به يوم يعلمون ! ليقول لهم ما هو ? وكيف يكون : ( إن يوم الفصل كان ميقاتا . يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا . وفتحت السماء فكانت أبوابا . وسيرت الجبال فكانت سرابا ) . .

ثم مشهد العذاب بكل قوته وعنفه : ( إن جهنم كانت مرصادا ، للطاغين مآبا ، لابثين فيها أحقابا ، لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا . إلا حميما وغساقا . جزاء وفاقا . إنهم كانوا لا يرجون حسابا ، وكذبوا بآياتنا كذابا ، وكل شيء أحصيناه كتابا . فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ) . .

ومشهد النعيم كذلك وهو يتدفق تدفقا : ( إن للمتقين مفازا : حدائق وأعنابا ، وكواعب أترابا ، وكأسا دهاقا ، لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا . جزاء من ربك عطاء حسابا ) .

وتختم السورة بإيقاع جليل في حقيقته وفي المشهد الذي يعرض فيه . وبإنذار وتذكير قبل أن يجيء اليوم الذي يكون فيه هذا المشهد الجليل : ( رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطابا . يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا . ذلك اليوم الحق . فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا . إنا أنذرناكم عذابا قريبا . يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ، ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ) . .

ذلك هو النبأ العظيم . الذي يتساءلون عنه . وذلك ما سيكون يوم يعلمون ذلك النبأ العظيم !

( عم يتساءلون ? عن النبأ العظيم . الذي هم فيه مختلفون . كلا ! سيعلمون . ثم كلا ! سيعلمون ) . . مطلع فيه استنكار لتساؤل المتسائلين ، وفيه عجب أن يكون هذا الأمر موضع تساؤل . وقد كانوا يتساءلون عن يوم البعث ونبأ القيامة . وكان هو الأمر الذي يجادلون فيه أشد الجدل ، ولا يكادون يتصورون وقوعه ، وهو أولى شيء بأن يكون !

( عم يتساءلون ? ) . . وعن أي شيء يتحدثون ? ثم يجيب . فلم يكن السؤال بقصد معرفة الجواب منهم . إنما كان للتعجيب من حالهم وتوجيه النظر إلى غرابة تساؤلهم ، بكشف الأمر الذي يتساءلون عنه وبيان حقيقته وطبيعته :

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ} (1)

مقدمة السورة:

جزء عمّ

تمهيد عام :

هذا هو الجزء الأخير من القرآن الكريم ، ويتميز بقصر الآيات ، وقصر السور ، وروعة الأسلوب ، وجمال القافية ، ليستلفت الأنظار إلى قدرة الخالق ، وآثار الله في الآفاق .

وكأن هذا الجزء دعوة متكررة لقوم نيام ، أو صيحة عارمة لسكارى غارقين في اللهو ، يفيقون حينا ثم يهيمون في ضلالهم حينا آخر ، والسور توالى تنبيههم ، وتناديهم : أن أفيقوا وتنبهوا قبل فوات الأوان .

" وفي الجزء كله تركيز على النشأة الأولى للإنسان ، والأحياء الأخرى في هذه الأرض من نبات وحيوان ، وعلى مشاهد هذا الكون ، وآيات الله في كتابه المفتوح ، وعلى مشاهد القيامة العنيفة ، الطامة الصاخة القارعة الغاشية ، ومشاهد الحساب والجزاء من نعيم وعذاب ، في صور تقرع وتذهل وتزلزل ، كمشاهد القيامة الكونية في ضخامتها وهولها ، واتخاذها جميعا دلائل على الخلق والتدبير ، والنشأة الآخرى وموازينها الحاسمة ، مع التقريع بها والتخويف والتحذير ، وأحيانا تصاحبها صور من مصارع الغابرين " i .

والأمثلة على هذا هي الجزء كله ، ومنه هذه السورة ( سورة النبأ ) ، وهي نموذج كامل لهذا التركيز على هذه الحقائق والمشاهد ، ومثلها سورة النازعات ، وسورة الانشقاق التي تعرض مشاهد الانقلاب الكوني ، ومشاهد النعيم والعذاب ، وسورة الطارق ، وسورة الغاشية .

***

تفسير سورة النبأ

أهداف سورة النبأ

( سورة النبأ مكية ، وآياتها 40 آية ، نزلت بعد سورة المعارج ) .

سورة النبأ نموذج لاتجاه هذا الجزء ، بموضوعاته وحقائقه ، وصوره ومشاهده .

وهي تبدأ بسؤال موح مثير للاستهوال والاستعظام ، وتضخيم الحقيقة التي يختلفون عليها ، وهي أمر عظيم لا خفاء فيه ولا شبهة ، ويعقب على ذلك بتهديدهم بيوم يعلمون حقيقته . ( الآيات 1-5 ) .

ثم يلفت السياق الأنظار إلى عدد من المشاهد والحقائق ، تتمثل في خلق الأرض ، وإرساء الجبال ، وخلق الذكر والأنثى للتناسل والتكاثر وإشباع الرغبة والحاجة في كل طرف إلى الآخر ، وخلق الليل سكنا ، والنوم راحة وأمنا ، والنهار سعيا ومعاشا ، وخلق السماء والشمس ، وإنزال المطر ، وإنبات النبات والبساتين . ( الآيات 6-16 ) .

ثم يعود إلى مشهد القيامة والبعث ( الآيات 17 -20 ) ويصف جهنم وأهوالها وعذابها ، وجحود أهلها وتكذيبهم بآيات الله . ( الآيات 21 -30 ) .

ثم يصف نعيم المتقين في الجنة وصنوف التكريم الحسي والمعنوي . ( الآيات 31-32 ) .

وتختم السورة بمشهد جليل في يوم القيامة ، يوم تصفّ الملائكة صفّا ، ويشتد الهول ، ويلقى كل إنسان جزاء عمله . ( الآيات 37-40 ) .

مع آيات السورة

كان المشركون كما اجتمعوا في ناد من أنديتهم أخذوا يتحدثون ويسأل بعضهم بعضا ، ويسألون غيرهم فيقولون : أساحر هو أم شاعر ، أم كاهن أم اعتراه بعض آلهتنا بسوء ؟ ويتحدثون في شأن القرآن أهو سحر أم شعر أم كهانة ؟ ويقول كل واحد ما شاء له هواه ، والرسول سائر قدما في تبليغ رسالته ، وأمامه مصباحه المنير الذي يضيء للناس سبيل الرشاد وهو الكتاب الكريم ، كما كانوا يتحدثون في شأن البعث ، ويأخذ الجدل بينهم كل مأخذ ، فمنهم من ينكره البتة ويزعم أنه إذا مات انتهى أمره ، وما هي إلا أرحام تدفع وأرض تبلع : وما يهلكنا إلا الدهر . . . ( الجاثية : 24 ) .

ومنهم من كان يزعم أن البعث للأرواح دون الأجساد ، لأن الأجساد تأكلها الأرض وتعبث بها يد البلى ، وربما لقي أحدهم بعض من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم فيسائله عن ذلك استهزاء وسخرية .

وفي هؤلاء وأشباههم نزلت هذه السورة ، ردّا عليهم ، وإقامة للحجة على أن الله قادر على أن يبعثهم بعد موتهم ، وإن صاروا ترابا أو أكلتهم السباع أو أحرقتهم النيران ، لأن الله أحصى كل شيء عددا وأحاط بكل شيء علما .

معنى الآيات

1-3- عن أي شيء يتساءل مشركو مكة ؟ يتساءلون عن الخبر العظيم الشأن ، وهو البعث أو نزول الوحي على النبي صلى الأمين صلى الله عليه وسلم ، الخبر الذي اختلفوا فيه ، فمن قائل إنه مستحيل ، ومن شاك فيه متردد يقول : ما ندري ما الساعة إن نظنّ إلا ظنّا وما نحن بمستيقنين . ( الجاثية : 32 ) .

4 ، 5- ترد الآيتان على تساؤلهم وشكهم بالتهديد الملفوف ، وهو أوقع من الجواب المباشر وأعمق في التأثير ، وتقول : فليزدجروا عما هم فيه ، فإنهم سيعلمون عما قليل حقيقة الحال ، إذا حل بهم العذاب والنكال ، وأن ما يتساءلون عنه ويضحكون منه حق لا شك فيه ، ولا ريب في وقوعه .

6-16- تنتقل الآيات من موضوع النبأ العظيم ، لتعرض أمام الأبصار والبصائر مظاهر القدرة الإلهية في خلق هذا الكون ، فتذكر تسعة مشاهد ، يشاهدونها بأعينهم ، ولا يخفى عليهم شيء منها :

1- انبساط الأرض وتمهيدها لتحصيل المعاش ، وإثراء الحياة .

2- سمو الجبال لتثبيت الأرض وحفظ التوازن .

3- خلق الناس ذكورا وإناثا ، ليتم الائتناس والتعاون ويعم النفع .

4- جعل النوم راحة للأجسام ، وسكنا للأرواح ، وانقطاعا عن الإدراك والنشاط .

5- جعل الليل لباسا وساترا ، يتم فيه السبات والانزواء .

6- جعل النهار معاشا ، تتم فيه الحركة والنشاط .

7- ارتفاع السماوات فوقنا ، مع إحكام الوضع ودقة الصنع ، وقوة البناء وشدته وتماسكه .

8- وجود الشمس المنيرة المتوهجة ، تسكب الأشعة والضوء والحرارة .

9- نزول المطر وما ينشأ عنه من الحبّ والنبات ، والجنات الألفاف ، الكثيفة ، الكثيرة الأشجار الملتفة الإغصان .

وتوالى هذه الحقائق والمشاهد على هذا النظام البديع ، والتقدير المحكم ، يوحي بأن وراء هذا الكون قوة تدبره ، وحكمة تنظمه ، وتشعر بالخالق الحكيم القدير ، الذي أبدع كل شيء خلقه ، فتبارك الله أحسن الخالقين .

17-20- إن الناس لم يخلقوا عبثا ، ولن يتركوا سدى ، والذي قدّر حياتهم ذلك التقدير المحكم ، الذي يشي به المقطع الماضي في السياق قد جعل لهم يوما مؤقتا للفصل والقضاء بينهم ، في ذلك اليوم ينفخ إسرافيل في البوق ، فيأتي الناس جميعا مسرعين ، جماعات جماعات ، والسماء المبنية المتينة فتحت ، وانشقت وتصدعت على هيئة لا عهد لنا بها ، فكانت طرقا وأبوابا ، والجبال الراسية الثابتة تصبح هباء مثارا في الهواء ، ومن ثم فلا وجود لها ، كالسراب الذي ليس له حقيقة .

21- 30- تمضي الآيات خطوة وراء النفخ والحشر ، فتصور مصير الطغاة وتذكر ما يأتي :

إن جهنم خلقت ووجدت مكانا مترصدا للطاغين ، ينتظر حضورهم ، ويترقب وصولهم ، إن جهنم مرجع الطغاة ومكان إيابهم وعودتهم .

روى ابن جرير ، عن الحسن أنه قال : لا يدخل أحد الجنة حتى يجتاز النار ، فإن كان معه جواز نجا ، وإلا احتبس .

وسيمكث الطغاة في النار دهورا متلاحقة ، يتبع بعضها بعضا ، فكلما انقضى زمن تجدد لهم زمن آخر ، إنهم لن يذوقوا في جهنم إلا الحميم وهو الماء المغلي ، والغشاق وهو الصديد الذي يسيل من جراح أهل النار ، جزاء وفاقا . ( النبأ : 26 ) .

قال مقاتل : وافق العذاب الذنب ، فلا ذنب أعظم من الشرك ، ولا عذاب أعظم من النار .

إنهم كانوا لا يتوقعون الحساب ، وكذّبوا بجميع البراهين الدالة على التوحيد والنبوة والمعاد ، وبجميع ما جاء في القرآن ، بينما كان الله يحصى عليهم كل شيء ، إحصاء دقيقا لا يفلت منه شيء ، وسجلّ أعمالهم في اللوح المحفوظ ، أو كتبها في صحف أعمالهم : أحصاه الله ونسوه . . . ( المجادلة : 6 ) . ويقال لهم على ألسنة خزنة جهنم من باب التأنيب الميئس من كل رجاء : ذوقوا أشد العذاب بما كسبت أيديهم ، ولن نزيدكم إلا عذابا من جنسه .

31-36- تعرض الآيات المشهد المقابل ، مشهد الأتقياء في النعيم ، بعد مشهد الطغاة في الجحيم ، إن الأتقياء يفوزون بالنعيم ، والثواب ، ومن مظاهره تلك الحدائق الكثيرة والبساتين والأعناب وكواعب . وهن الفتيات الناهدات اللواتي استدارت أثدائهن ، أترابا . متوافقات السن والجمال ، وكأسا دهاقا . مترعة بالشراب ، ولا يجري بينهم حين يشربون لغو الكلام ، ولا يكذب بعضهم بعضا ، وهذه النعم جزاء من الله على أعمالهم ، وهي عطاء وتفضل من الله على حسب أعمالهم ، وفي الحديث الشريف : ( إنكم تدخلون الجنة بفضل الله ، وتقتسمونها بحسب أعمالكم ) .

37-40- هذا الجزاء السابق للطغاة وللتقاة ، من مالك السماوات والأرض ، والمدبّر لشئونهما ، والمالك لما بينهما من عوالم ، وهو الرحمان ، ومن رحمته يكون الجزاء العادل المناسب للأشرار وللأخيار ، ومع الرحمة الجلال ، فلا يملك أحد مخاطبته في ذلك اليوم المهيب .

يوم يقف جبريل والملائكة جميعا مصطفين لا يتكلمون ، إجلالا لربهم ، ووقوفا عند أقدارهم ، إلا إذا أذن لهم ربهم وقالوا صدقا وصوابا .

ذلك اليوم هو الحق الموعود به ، فلا مجال للتساؤل والاختلاف في شأنه ، والفرصة لا تزال سانحة ، فمن شاء عمل صالحا يقربه من ربه ، ويدنيه من ثوابه ، إنا نحذركم عذاب يوم القيامة ، وهو قريب ليس بالبعيد ، فجهنم تنتظركم ، وتترصد لكم على النحو الذي سمعتم ، والدنيا كلها رحلة قصيرة ، وكل آت قريب .

وفي ذلك اليوم يجد الإنسان جزاء عمله ، ولقاء ما صنعه في الدنيا من الأعمال ، فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرّة شرا يره . ( الزلزلة : 7 ، 8 ) . في ذلك اليوم يشعر الكافر بالندم والحسرة ، فيقول : يا ليتني كنت ترابا أو حجرا لا يجري عليه تكليف حتى لا يعاقب هذا العقاب .

موضوعات السورة

اشتملت سورة النبأ على الموضوعات الآتية :

1- سؤال المشركين عن البعث ، ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم .

2- تهديد المشركين على إنكارهم إياه .

3- إقامة الأدلة على إمكان حصوله .

4- أحداث يوم القيامة .

5- ما يلاقيه المكذبون من العذاب .

6- فوز المتقين بجنات النعيم .

7- إن هذا اليوم حق لا ريب فيه .

8- ندم الكافر بعد فوات الأوان .

الإخبار عن البعث وأدلة إثباته

بسم الله الرحمان الرحيم

{ عمّ يتساءلون 1 عن النّبأ العظيم 2 الذي هم فيه مختلفون 3 كلاّ سيعلمون 4 ثم كلاّ سيعلمون 5 ألم نجعل الأرض مهادا 6 والجبال أوتادا 7 وخلقناكم أزواجا 8 وجعلنا نومكم سباتا 9 وجعلنا الليل لباسا 10 وجعلنا النهار معاشا 11 وبنينا فوقكم سبعا شدادا 12 وجعلنا سراجا وهّاجا 13 وأنزلنا من المعصرات ماء ثجّاجا 14 لنخرج به حبّا ونباتا 15 وجنّات ألفافا 16 }

المفردات :

عمّ : عن أي شيء عظيم الشأن .

عن النبأ العظيم : عن القرآن أو البعث .

سبب النزول :

أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، عن السحن البصري قال : لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم جعلوا يتساءلون بينهم ، فنزلت : عمّ يتساءلون* عن النّبأ العظيم .

التفسير :

1 ، 2 ، 3- عمّ يتساءلون* عن النّبأ العظيم* الذي هم فيه مختلفون .

عن أيّ شيء يتساءل هؤلاء الناس ؟ إنهم يتساءلون عن الأمر العظيم الذي جاءهم ، وهو رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، فمنهم من يصدّقه ، ومنهم من يقول : هو شاعر ، ومنهم من يقول : هو كاهن ، ومنهم من يقول : هو مفتر متقوّل على الله وليس برسول ، أو هم يتساءلون عن القرآن سؤال متعجب من سمو لفظه ، وبراعة تعبيره ، وقوة معانيه ، منهم من يصفه بالسّحر أو الشعر أو الكهانة ، أو هم يتساءلون عن البعث والحشر والحساب والجزاء والقيامة وما يتصل بها ، فمنهم من يظن ظنّا ، ومنهم من ينكر ، ومنهم من يستبعد وقوع البعث ، ومنهم من يقول : البعث للأرواح فقد أمّا الأجساد فتبلى وتصير رمادا ، ومن العسير بعث الحياة في الأجساد بعد تفتتها وبلاها .

وتفيد الآيات أن دويّا عظيما ونبأ جسيما وفكرا هامّا ، قد شغل مكة كلّها ، فهذا القرآن الكريم ، أو هذا النبي محمد صلى الله عليه وسلم ودعوته إلى الإسلام ، أو أمر البعث وما بعده ، إنه أمر عظيم شغل هؤلاء الناس ، واختلفوا بشأنه .

ويجوز أن يكون المراد بالنبأ العظيم كل ما ذكر ، أي : القرآن ، والإسلام ، ومحمد صلى الله عليه وسلم ، والبعث ، فكلها مما حملته رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، واختلف أهل مكة بشأن هذه الرسالة اختلافا بيّنا ، فقد كان منهم من يرفض الإيمان بالبعث ، ويقول : ما هي إلا أرحام تدفع ، وقبور تبلع ، وما يهلكنا إلا الدهر .

وقد حكة القرآن قول المكذّبين برسولهم في قوله تعالى : أيعدكم أنكم إذا متّم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون* هيهات هيهات لما توعدون* إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين . ( المؤمنون : 35-37 ) .

وكان من الكفار من يشك أو يظن صدق البعث بدون تيقن أو تأكّد .

قال تعالى : وإذا قيل إنوعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنّا وما نحن بمستيقنين . ( الجاثية : 32 ) .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة النبأ

مكية وآياتها أربعون

{ عم } أصله : عن ما فأدغمت النون في الميم وحذفت ألف ما كقوله : فيم ، و بم ؟ { يتساءلون{ ، أي : عن أي شيء يتساءلون ، هؤلاء المشركون ؟ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعاهم إلى التوحيد وأخبرهم بالبعث بعد الموت ، وتلا عليهم القرآن جعلوا يتساءلون بينهم فيقولون : ماذا جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال الزجاج : اللفظ لفظ استفهام ومعناه التفخيم ، كما تقول : أي شيء زيد ؟ إذا عظمت أمره وشأنه .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة عم يتساءلون مكية وهي أربعون آية

{ عم يتساءلون } عما يتساءلون والمعنى عن أي شيء يتساءلون يعني قريشا وهذا لفظ استفهام معناه تفخيم القصة وذلك أنهم اختلفوا واختصموا فيما أتاهم به الرسول صلى الله عليه وسلم فمن مصدق ومكذب .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة عم يتساءلون{[1]} وتسمى سورة النبأ

مقصودها الدلالة على أن يوم القيامة-الذي{[2]} كانوا مجمعين على نفيه ، وصاروا بعد بعث النبي صلى الله عليه وسلم في خلاف فيه مع المؤمنين- ثابت ثباتا لا يحتمل{[3]} شكا ولا خلافا بوجه ، لأن خالق الخلق مع أنه حكيم قادر على ما يريد دبرهم أحسن تدبير ، بنى لهم مسكنا وأتقنه ، و{[4]} جعلهم على وجه يبقى به نوعهم من أنفسهم بحيث لا يحتاجون إلى أمر خارج يرونه ، فكان ذلك أشد لألفتهم وأعظم لأنس بعضهم ببعض ، وجعل سقفهم وفراشهم كافلين لمنافعهم ، والحكيم لا يترك عبيده{[5]}- وهو تام القدرة كامل السلطان- يمرحون يبغي بعضهم على بعض ويأكلون خيره ويعبدون غيره بلا حساب ، فكيف إذا كان حاكما فكيف إذا كان أحكم الحاكمين ، هذا ما لا يجوز في عقل{[6]} ولا يخطر ببال أصلا ، فالعلم {[7]}واقع به{[8]} قطعا ، وكل من اسميها واضح في ذلك بتأمل آيته ومبدأ ذكره [ و-{[9]} ] غايته { بسم الله } الحكيم العليم{[10]}الذي{[11]} له جميع صفات الكمال ( الرحمن ) الذي ساوى بين عباده في أصول النعم الظاهرة : الإيجاد و{[12]} الجاه والمال{[13]} ، وبيان الطريق الأقوم بالعقل الهادي والإنزال والإرسال { الرحيم* } الذي خص من شاء بإتمام تلك النعم{[14]} فوفقهم لمحاسن{[15]} الأعمال لما أخبر في المرسلات بتكذيبهم بيوم الفصل وحكم على أن لهم بذلك الويل المضاعف المكرر ، وختمها بأنهم إن كفروا بهذا القرآن لم يؤمنوا بعده بشيء ، افتتح هذه بأن{[16]} ما خالفوا فيه وكذبوا الرسول{[17]} في أمره لا يقبل النزاع لما ظهر من بيان القرآن لحكمة الرحمن التي لا يختلف فيها اثنان مع الإعجاز في البيان ، فقال معجبا منهم غاية العجب زاجرا لهم ومنكرا عليهم ومتوعدا لهم ومفخما للأمر بصيغة الاستفهام منبها على أنه ينبغي أن لا يعقل خلافهم ، ولا يعرف محل نزاعهم ، فينبغي أن يسأل عنه كل أحد حتى العالم به إعلاما بأن ما يختلفون فيه{[18]} لوضوحه لا يصدق أن عاقلا يخالف أمره{[19]} فيه وأنه لا ينبغي التساؤل [ إلا- ]{[20]} عما هو خفي فقال :

{ عمَّ } أي عن أي شيء - خفف لفظاً وكناية بالإدغام ، وحذف ألفه لكثرة الدور والإشارة إلى أن هذا السؤال مما ينبغي أن يحذف ، فإن لم يكن فيخفى ويستحى من ذكره ويخفف { يتساءلون * } أي أهل مكة لكل من يسأل عن شيء من القرآن سؤال شك وتوقف وتلدد فيما بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين رضي الله عنهم ، ولشدة العجب سمي جدالهم وإنكارهم{[71035]} وعنادهم - إذا تليت عليهم آياته وجليت بيناته - مطلق سؤال .


[1]:- هكذا ثبتت العبارة في النسخة المخزونة بالرباط – المراقش التي جعلناها أصلا وأساسا للمتن، وكذا في نسخة مكتبة المدينة ورمزها "مد" وموضعها في نسخة دار الكتب المصرية ورمزها "م": رب زدني علما يا فتاح.
[2]:- في م ومد: قال أفقر الخلائق إلى عفو الخالق؛ وفي الأصل: أبو إسحاق – مكان: أبو الحسن، والتصحيح من الأعلام للزركلي ج1 ص 50 وعكس المخطوطة أمام ص 56 وهامش الأنساب للسمعاني ج2 ص280.
[3]:- ضبطه في الأعلام بضم الراء وتخفيف الباء.
[4]:- ضبطه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله في تعليقه على الأنساب ج2 ص280 وقال: البقاعي يكسر الموحدة وفتح القاف مخففة وبعد الألف عين مهملة بلد معروف بالشام ينسب إليه جماعة أشهرهم الإمام المفسر إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي أبو الحسن برهان الدين من أجلة أهل القرن التاسع له عدة مؤلفات ولد سنة 809 وتوفي سنة 885 – اهـ.
[5]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[6]:- في م ومد: لطف الله بهم أجمعين، إلا أن لفظ "اجمعين" ليس في مد. والعبارة من "وآله" إلى هنا ليست في نسخة المكتبة الظاهرية ورمزها "ظ".
[7]:- في م ومد وظ: برسالته.
[8]:- ليس في م ومد وظ.
[9]:- سورة 38 آية 29.
[10]:- في م وظ: اخرجه.
[11]:- ليس في م.
[12]:- ليس في م.
[13]:- في النسخ كلها: لا، وفي البخاري: ما، وقول علي رضي الله عنه نقل من البخاري فأثبتناها.
[14]:- في ظ: فهما، وفي متن البخاري كذلك، وعلى حاشيته: فهم.
[15]:- في ظ ومد: عمرو.
[16]:- من م ومد وظ، وفي الأصل: فابتغوا.
[17]:- من م ومد وظ، وهو الصحيح لما في البخاري: عن عبد الرحمن بن أبي بكرة، وفي الأصل: بكر.
[18]:- زيد في م: عنى.
[19]:- من م ومد وظ، وفي الأصل: هذا و – كذا.
[20]:- وفي مد: عنهما.
[71035]:زيد في الأصل: وعقايدهم، ولم تكن الزيادة في ظ و م فحذفناها.