ويختم هذه الجولة بمشهدهم محشورين يوم القيامة ، حيث يواجههم الله سبحانه بالملائكة الذين كانوا يعبدونهم من دون الله ؛ ثم يذوقون عذاب النار الذي كانوا يستعجلون به ، ويقولون متى هذا الوعد ? كما جاء في أول هذا الشوط :
( ويوم يحشرهم جميعاً ، ثم يقول للملائكة : أهؤلاء إياكم كانوا يعبدون ? قالوا : سبحانك أنت ولينا من دونهم . بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون . فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعاً ولا ضراً ، ونقول للذين ظلموا : ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون ) . .
فهؤلاء هم الملائكة الذين كانوا يعبدونهم من دون الله ، أو يتخذونهم عنده شفعاء . هؤلاء هم يواجهون بهم ، فيسبحون الله تنزيهاً له من هذا الادعاء ، ويتبرأون من عبادة القوم لهم . فكأنما هذه العبادة كانت باطلاً أصلاً ، وكأنما لم تقع ولم تكن لها حقيقة . إنما هم يتولون الشيطان . إما بعبادته والتوجه إليه ، وإما بطاعته في اتخاذ شركاء من دون الله . وهم حين عبدوا الملائكة إنما كانوا يعبدون الشيطان ! ذلك إلى أن عبادة الجن عرفت بين العرب ؛ وكان منهم فريق يتوجه إلى الجن بالعبادة أو الاستعانة : ( بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون ) . . ومن هنا تجيء علاقة قصة سليمان والجن بالقضايا والموضوعات التي تعالجها السورة ، على طريقة سياقة القصص في القرآن الكريم .
{ قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون } .
سبحانك : تنزيها لله عن الشرك .
أنت ولينا : أنت ربنا الذي نواليه ونطيعه ، ونخلص له في العبادة .
يعبدون الجن : آي : الشياطين ، حيث أطاعهم في عبادة الله .
أي : قالت الملائكة لله تعالى : تنزهت يا ربنا عن الشريك والمثيل ، أنت الذي نواليه بالطاعة والعبادة إذ لا موالاة بيننا وبينهم ، وما رضينا عن عبادتهم لنا ، إن طاعتهم وعبادتهم كانت للجن والشياطين ، الذين زينوا لهم عبادة للأصنام والأوثان .
وقال ابن عطية : في الأمم السابقة من عبد الجن وفى القرآن ما يشير إلى ذلك قال تعالى : { وجعلوا لله شركاء الجن . . . }( الأنعام : 100 ) .
أي : مصدقون فأطاعوهم في عبادة الأصنام وعصوك وعصوا رسلك فلم يعبدوك ولم يطيعوا رسلك .
وذكر أبن الوردي في تاريخه أن سبب حدوث عبادة الأصنام في العرب أن عمر بن لحى مر بقوم في الشام فرآهم يعبدون الأصنام ، فسألهم فقالوا له هذه أرباب نتخذها على شكل الهياكل العلوية فنستنصر بها ونستقى فتبعهم وأتى بصنم معه في الحجاز وسول للعرب عبادته فعبدوه فاستمرت عبادة الأصنام فيهم إلى أن جاءت عبادة الأصنام .
{ قالوا } أي الملائكة متبرئين منهم مفتتحين بالتنزيه تخضعاً بين يدي البراءة خوفاً {[57017]}من حلول السطوة{[57018]} { سبحانك } أي ننزهك تنزيهاً يليق بجلالك عن أن يستحق أحد{[57019]} غيرك أن يعبد .
ولما كانوا كارهين جداً لعبادتهم ، وكانت فائدة العبادة الوصلة{[57020]} بين العابد والمعبود قالوا : { أنت ولينا } أي معبودنا الذي لا وصلة بيننا وبين أحد إلا بأمره { من دونهم } أي من أقرب منزلة لك من منازلهم منا ، فأنت أقرب شيء إلينا في كل معاني الولاية من العلم والقدرة وغيرهما ، فكيف نترك الأقرب والأقوى ونتولى الأبعد العاجز{[57021]} ، ليس بيننا وبينهم من{[57022]} ولاية ، بل عداوة ، وكذا كل من تقرب إلى شخص بمعصية الله يقسي الله قلبه عليه ويبغضه فيه فيجافيه{[57023]} ويعاديه .
ولما كان{[57024]} من يعمل لأحد عملاً لم يأمر به ولم يرضه إنما عمل{[57025]} في الحقيقة للذي دعاه إلى ذلك العمل قالوا : { بل كانوا } بأفعالهم الاختيارية الموجبة للشرك { يعبدون الجن } أي إبليس وذريته الذين زينوا لهم عبادتنا من غير رضانا بذلك{[57026]} ، وكانوا يدخلون في أجواف الأصنام ويخاطبونهم ويستجيرون بهم في الأماكن المخوفة ، ومن هذا {[57027]}تعس عبد الدينار وعبد الدرهم{[57028]} وعبد القطيفة ؛ ثم استأنفوا قولهم : { أكثرهم } أي الإنس { بهم } أي الجن { مؤمنون * } أي راسخون في الإشراك لا{[57029]} يقصدون بعبادتهم غيرهم ، وقليل منهم من يقصد بعبادته{[57030]} بتزيين الجن وغيرهم{[57031]} وهو غير راض بها ، فهي في الحقيقة لمن زينها لهم من الجن ، وهم مع ذلك يصدقون ما يرد عليهم من إخبارات الجن على ألسنة الكهان وغيرهم مع ما يرون فيها من الكذب في كثير من الأوقات .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.