في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِن جَآءَهُمۡ نَذِيرٞ لَّيَكُونُنَّ أَهۡدَىٰ مِنۡ إِحۡدَى ٱلۡأُمَمِۖ فَلَمَّا جَآءَهُمۡ نَذِيرٞ مَّا زَادَهُمۡ إِلَّا نُفُورًا} (42)

39

والجولة الرابعة مع القوم وما عاهدوا الله عليه ، ثم ما انتهوا بعد ذلك إليه من نقض للعهد ، وفساد في الأرض . وتحذير لهم من سنة الله التي لا تتخلف ، ولا تبديل فيها ولا تحويل :

وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم . فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفوراً . استكباراً في الأرض ومكر السيى ء - ولا يحيق المكر السيى ء إلا بأهله - فهل ينظرون إلا سنة الأولين ? فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد لسنة الله تحويلاً . .

ولقد كان العرب يرون اليهود أهل كتاب يجاورونهم في الجزيرة ؛ وكانوا يرون من أمر انحرافهم وسوء سلوكهم ما يرون ؛ وكانوا يسمعون من تاريخهم وقتلهم رسلهم ، وإعراضهم عن الحق الذي جاءوهم به . وكانوا إذ ذاك ينحون على اليهود ؛ ويقسمون بالله حتى ما يدعون مجالاً للتشديد في القسم : ( لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم ) . . يعنون اليهود . يعرضون بهم بهذا التعبير ولا يصرحون !

ذلك كان حالهم وتلك كانت أيمانهم . . يعرضها كأنما يدعو المستمعين ليشهدوا على ما كان من هؤلاء القوم في جاهليتهم . ثم يعرض ما كان منهم بعد ذلك حينما حقق الله أمنيتهم ، وأرسل فيهم نذيراً :

فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفوراً .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِن جَآءَهُمۡ نَذِيرٞ لَّيَكُونُنَّ أَهۡدَىٰ مِنۡ إِحۡدَى ٱلۡأُمَمِۖ فَلَمَّا جَآءَهُمۡ نَذِيرٞ مَّا زَادَهُمۡ إِلَّا نُفُورًا} (42)

{ وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا( 42 ) استكبارا في الأرض ومكر السيئ ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا( 43 ) أو لم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السموات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا ( 44 )ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء اجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا( 45 ) }

المفردات :

جهد أيمانهم : طاقتها وغايتها .

نذير : نهى يبلغهم ويخوفهم .

أهدى من إحدى الأمم : أهدى من كل واحدة من أمتي اليهود والنصارى وغيرهما .

نفورا : إعراضا وتباعدا عن الحق .

42

التفسير :

{ وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا }

كانت العرب تسمع عن أعمال اليهود مع أنبيائهم حيث كذبوهم وقتلوا بعضهم وحرفوا التوراة واعتدوا في السبت فأقسموا بالله وبالغوا في القسم واجتهدوا أن يأتو به على بالغ ما في وسعهم من جهد ، لئن جاءهم رسول كما جاء اليهود والنصارى ، ومن أية أمة بلغت من الطاعة والهداية وحسن الإتباع أن يقال فيها واحدة الأمم تفضيلا لها على غيرها فلما جاءهم النذير وهو محمد صلى الله عليه وسلم يدعوهم للإيمان ويحذرهم وينذرهم عذاب الله إن كذبوا وكفروا به وأعرضوا عنه وما زادتهم دعوته وهداياته إلا نفورا من الإسلام وإعراضا عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .

 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِن جَآءَهُمۡ نَذِيرٞ لَّيَكُونُنَّ أَهۡدَىٰ مِنۡ إِحۡدَى ٱلۡأُمَمِۖ فَلَمَّا جَآءَهُمۡ نَذِيرٞ مَّا زَادَهُمۡ إِلَّا نُفُورًا} (42)

ولما كان التقدير : فقالوا : إنا لا ندعي أنهم خلقوا شيئاً من السماوات ولا من الأرض ونحن مقرون بأنه لا يمسك السماوات والأرض إلا الله ، وإنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى ، كما كان يفعل آباؤنا ، ولولا أن لهم على ذلك دليلاً ما فعلوه ، عطف عليه قوله مبيناً ضلالهم في تكذيبهم الرسل بعد ما ظهر من ضلالهم في إشراكهم بالمرسل وهو يمهلهم ويرزقهم دليلاً على حلمه مع علمه : { وأقسموا } أي كفار مكة { بالله } أي الذي لا عظيم غيره { جهد أيمانهم } أي بغاية ما يقدرون عليه من الأيمان ، قال البغوي : لما بلغهم - يعني كفار مكة - أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم قالوا : لعن الله اليهود والنصارى ! أتتهم رسلهم فكذبوهم ، لو أتانا رسول لنكونن أهدى ديناً منهم .

ولما أخبر عن قسمهم ، حكى معنى ما أقسموا عليه دون لفظه بقوله : { لئن جاءهم } وعبر بالسبب الأعظم للرسالة فقال : { نذير } أي من عند الله { ليكونن } أي الكفار { أهدى } أي أعظم في الهدى { من إحدى } أي واحدة من { الأمم } أي السالفة أو من الأمة التي لم تكن في الأمم التي جاءتها النذر أهدى منها ، قال أبو حيان : كما قالوا هو أحد الأحدين ، وهي إحدى الأحد ، يريدون التفضيل في الدهاء والعقل . لأنهم أحد أذهاناً وأقوم لساناً وأعظم عقولاً ، وألزم لما يدعو إليه العقل ، وأطلب لما يشهد بالفضل ، وأكدوا بالقسم لأن الناظر لتكذيب أهل العلم بالكتاب يكذبهم في دعوى التصديق قياساً أخروياً ، ودل على إسراعهم في الكذب بالفاء فقال : { فلما جاءهم نذير } أي على ما شرطوا وزيادة ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم الذي كانوا يشهدون أنه خيرهم مع كونه خيرهم نفساً وأشرفهم نسباً وأكرمهم في كل خلق أماً وأباً ، وأمتنهم في كل مأثرة سبباً { ما زادهم } أي مجيئه شيئاً مما هم عليه من الأحوال { إلا نفوراً * } أي لأنه كان سبباً في زيادتهم في الكفر كالإبل التي كانت نفرت من ربها فضلت عن الطريق فدعاها فازدادت بسبب دعائه نفرة ، فأعرقت في الضلال فصارت بحيث يتعذر أو يتعسر ردها فتبين أنه لا عهد لهم مع ادعائهم أنهم أوفى الناس ، ولا صدق عندهم مع جزمهم بأنهم أصدق الخلق .