البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِن جَآءَهُمۡ نَذِيرٞ لَّيَكُونُنَّ أَهۡدَىٰ مِنۡ إِحۡدَى ٱلۡأُمَمِۖ فَلَمَّا جَآءَهُمۡ نَذِيرٞ مَّا زَادَهُمۡ إِلَّا نُفُورًا} (42)

الضمير في { وأقسموا } لقريش .

ولما بين إنكارهم للتوحيد ، بين تكذيبهم للرسل .

قيل : وكانوا يعلنون اليهود والنصارى حيث كذبوا رسلهم ، وقالوا : لئن أتانا رسول ليكونن أهدى من إحدى الأمم .

فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كذبوه .

{ لئن جاءهم } : حكاية لمعنى كلامهم لا للفظهم ، إذ لو كان اللفظ ، لكان التركيب لئن جاءنا نذير من إحدى الأمم ، أي من واحدة مهتدية من الأمم ، أو من الأمة التي يقال فيها إحدى الأمم تفضيلاً لها على غيرها ، كما قالوا : هو أحد الأحدين ، وهو أحد الأحد ، يريدون التفضيل في الدهاء والعقل بحيث لا نظير له ، وقال الشاعر :

حتى استشاروا في أحد الأحد *** شاهد يرادا سلاح معد

{ فلما جاءهم نذير } ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، قاله ابن عباس ، وهو الظاهر .

وقال مقاتل : هو انشقاق القمر .

{ ما زادهم } : أي ما زادهم هو أو مجيئه .

{ إلا نفوراً } : بعداً من الحق وهرباً منه .

وإسناد الزيادة إليه مجاز ، لأنه هو السبب في أن زادوا أنفسهم نفوراً ، كقوله : { فزادتهم رجساً إلى رجسهم } وصاروا أضل مما كانوا .

وجواب لما : { ما زادهم } ، وفيه دليل واضح على حرفية لما لا ظرفيتها ، إذ لو كانت ظرفاً ، لم يجز أن يتقدّم على عاملها المنفي بما ، وقد ذكرنا ذلك في قوله : { فلما قضينا عليه الموت ما دلهم } وفي قوله : { ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم }