فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{وَأَقۡسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِن جَآءَهُمۡ نَذِيرٞ لَّيَكُونُنَّ أَهۡدَىٰ مِنۡ إِحۡدَى ٱلۡأُمَمِۖ فَلَمَّا جَآءَهُمۡ نَذِيرٞ مَّا زَادَهُمۡ إِلَّا نُفُورًا} (42)

{ وأقسموا } وحلفوا .

{ جهد أيمانهم } ما وسعهم الحلف .

{ نفورا } فرارا عن الحق ، وتباعدا عنه .

{ وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم فلما جاءهم نذير مازادهم إلا نفورا 42 استكبارا في الأرض ومكر السيء ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله فهل ينظرون إلا سنت الأولين فلن تجد لسنت الله تبديلا ولن تجد لسنت الله تحويلا43 أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم وكانوا أشد منهم قوة وما كان الله ليعجزه من شيء في السماوات ولا في الأرض إنه كان عليما قديرا44 }

أقسم العرب وأقسمت قريش ، وحلفوا جاهدين ما وسعهم الحلف : لئن بعث الله فيهم نبيا كما بعث في غيرهم ليصيرن أتم هداية من أية أمة سواهم ، كما جاء في الذكر الحكيم إعذارا فيهم وحجة عليهم : )أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين . أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءتكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها . . ( {[3861]} .

وكقوله تعالى : )وإن كانوا ليقولون . لو أن عندنا ذكرا من الأولين . لكنا عباد الله المخلصين . فكفروا به فسوف يعلمون( {[3862]} ، { فلما جاءهم نذير } وما أكرمه من نذير ، فهو خير البرية وخاتم النبيين ، حين أتاهم ما ترقبوه { مازادهم إلا نفورا } لم يهد لهم مجيئه ، ولا انتفعوا ببشارته وإنذاره ، وإنما ازدادوا هروبا من الرشد ، وفرارا عن الحق والخير وتباعدا ، وضموا أرجاسا إلى رجسهم ) وهم ينهون عنه وينأون عنه . . {[3863]} وضلوا وأضلوا كثيرا ، { استكبارا في الأرض } وكان مما حملهم على الإبعاد في الغي والصد عن البر أن كبر عليهم الاستجابة لبشر يأكل مما يأكلون منه ويشرب مما يشربون ( وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا . أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها . . ( {[3864]} . ( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم( {[3865]} )أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا ){[3866]} ، { ومكر السيء } مكروا بالنبي صلى الله عليه وسلم أسوأ المكر ليقتلوه أو يحبسوه أو يطردوه ، وفتنوا المؤمنين والمؤمنات ، ( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون( {[3867]} وزينوا لمن استضعف منهم أن يثبت على عبادة الأوثان ، وتواصى الملأ الذين استكبروا بالاستمساك بتقديس أصنامهم( وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد( {[3868]} .


[3861]:سورة الأنعام. الآية 156، ومن الآية 157.
[3862]:سورة الصافات. الآيات: من 167 إلى 170.
[3863]:سورة الأنعام. من الآية 26.
[3864]:سورة الفرقان. الآية 7، ومن الآية 8.
[3865]:سورة الزخرف. الآية 31.
[3866]:سورة الإسراء. الآية 91.
[3867]:سورة فصلت. الآية 26.
[3868]:سورة ص. الآية 6.