في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الشمس مكية وآياتها خمس عشرة

هذه السورة القصيرة ذات القافية الواحدة ، والإيقاع الموسيقي الواحد ، تتضمن عدة لمسات وجدانية تنبثق من مشاهد الكون وظواهره التي تبدأ بها السورة والتي تظهر كأنها إطار للحقيقة الكبيرة التي تتضمنها السورة . حقيقة النفس الإنسانية ، واستعداداتها الفطرية ، ودور الإنسان في شأن نفسه ، وتبعته في مصيرها . . هذه الحقيقة التي يربطها سياق السورة بحقائق الكون ومشاهده الثابتة .

كذلك تتضمن قصة ثمود ، وتكذيبها بإنذار رسولها ، وعقرها للناقة ، ومصرعها بعد ذلك وزوالها . وهي نموذج من الخيبة التي تصيب من لا يزكي نفسه ، فيدعها للفجور ، ولا يلزمها تقواها : كما جاء في الفقرة الأولى في السورة : ( قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها ) . .

( والشمس وضحاها . والقمر إذا تلاها . والنهار إذا جلاها . والليل إذا يغشاها . والسماء وما بناها . والأرض وما طحاها . ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها ) . .

يقسم الله سبحانه بهذه الخلائق والمشاهد الكونية ، كما يقسم بالنفس وتسويتها وإلهامها . ومن شأن هذا القسم أن يخلع على هذه الخلائق قيمة كبرى ؛ وأن يوجه إليها القلوب تتملاها ، وتتدبر ماذا لها من قيمة وماذا بها من دلالة ، حتى استحقت أن يقسم بها الجليل العظيم .

ومشاهد الكون وظواهره إطلاقا بينها وبين القلب الإنساني لغة سرية ! متعارف عليها في صميم الفطرة وأغوار المشاعر . وبينها وبين الروح الإنساني تجاوب ومناجاة بغير نبرة ولا صوت ، وهي تنطق للقلب ، وتوحي للروح ، وتنبض بالحياة المأنوسة للكيان الإنساني الحي ، حيثما التقى بها وهو مقبل عليها ، متطلع عندها إلى الأنس والمناجاة والتجاوب والإيحاء .

ومن ثم يكثر القرآن من توجيه القلب إلى مشاهد الكون بشتى الأساليب ، في شتى المواضع . تارة بالتوجيهات المباشرة ، وتارة باللمسات الجانبية كهذا القسم بتلك الحقائق والمشاهد ، ووضعها إطارا لما يليها من الحقائق . وفي هذا الجزء بالذات لاحظنا كثرة هذه التوجيهات واللمسات كثرة ظاهرة . فلا تكاد سورة واحدة تخلو من إيقاظ القلب لينطلق إلى هذا الكون ، يطلب عنده التجاوب والإيحاء . ويتلقى عنه - بلغة السر المتبادل - ما ينطق به من دلائل وما يبثه من مناجاة !

وهنا نجد القسم الموحي بالشمس وضحاها . . بالشمس عامة وحين تضحى وترتفع عن الأفق بصفة خاصة . وهي أروق ما تكون في هذه الفترة وأحلى . في الشتاء يكون وقت الدفء المستحب الناعش . وفي الصيف يكون وقت الإشراق الرائق قبل وقدة الظهيرة وقيظها . فالشمس في الضحى في أروق أوقاتها وأصفاها . وقد ورد أن المقصود بالضحى هو النهار كله ، ولكنا لا نرى ضرورة للعدول عن المعنى القريب للضحى . وهو ذو دلالة خاصة كما رأينا .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الشمس

( سورة الشمس مكية ، وآياتها 15 آية ، نزلت بعد سورة القدر )

وهي سورة قصيرة ذات قافية واحدة ، وإيقاع موسيقي واحد ، تتضمن عدة لمسات وجدانية تنبثق من مشاهد الكون وظواهره التي تبدأ بها السورة ، والتي تظهر كأنها إطار للحقيقة الكبيرة التي تتضمنها السورة ، حقيقة النفس الإنسانية واستعدادها الفطري ، ودور الإنسان في شأن نفسه ، وتبعته في مصيرها . . . هذه الحقيقة التي تربطها سياق السورة بحقائق الكون ومشاهده الثابتة .

( كذلك تتضمن قصة ثمود وتكذيبها بإنذار رسولها ، وعقرها للناقة ، ومصرعها بعد ذلك وزوالها ، وهي نموذج من الخيبة التي تصيب من لا يزكى نفسه ، فيدعها للفجور )i ، ولا يلزمها تقواها ، كما جاء في الفقرة الأولى من السورة : قد أفلح من زكّاها* وقد خاب من دسّاها . ( الشمس : 9 ، 10 ) .

مع آيات السورة

لله تعالى كتابان : كتاب مقروء وهو القرآن الكريم ، وكتاب مفتوح وهذا هو الكون العظيم ، ومشاهد الكون تأسر القلب ، وتبهج النفس ، وتوقظ الحس ، وتنبّه المشاعر .

( ومن ثم يكثر القرآن من توجيه القلب إلى مشاهد الكون بشتى الأساليب في شتى المواضع ، تارة بالتوجيهات المباشرة ، وتارة باللمسات الجانبية ، كهذا القسم بتلك الخلائق والمشاهد ، ووضعها إطارا لما يليها من الحقائق )ii .

1- أقسم الله بالشمس ، وبنورها الساطع في وقت الضحى ، وهو الوقت الذي يظهر فيه ضوء النهار ، ويتجلى نور الشمس ، ويعم الدفء في الشتاء ، والضياء في الصيف ، قبل حر الظهيرة وقيظها .

2- وأقسم الله بالقمر إذا جاء بعد الشمس ، بنوره اللطيف الهادئ الذي يغمر الكون بالضياء والأنس والجمال .

3- وأقسم بالنهار إذا أظهر الشمس وأتم وضوحها ، وللنهار في حياة الإنسان آثار جليلة ، ففيه السعي والحركة والنشاط .

4- وأقسم الله بالليل إذا غشي الكون ، فغطى ظلامه الكائنات ، وحجب نور الشمس وأخفاه .

5- وأقسم الله بالسماء ومن قدّر خلقها ، وأحكم صنعها على النحو الذي نشاهده .

6- وأقسم الله بالأرض ، والذي بسطها ومهّدها للسكنى .

لقد جمع القسم بين ضياء الشمس ونور القمر ، وضوء النهار وظلام الليل ، وارتفاع السماء وبسط الأرض ، ونلحظ في هذا القسم المقابلة بين النور والظلام ، وبين السماء والأرض ، مما يلفت النظر إلى بديع صنع الله ، وجليل وحيه وإعجاز كتابه .

7-10- ونفس وما سوّاها* فألهمها فجورها وتقواها* قد أفلح من زكّاها* وقد خاب من دسّاها .

خلق الله الإنسان مزودا باستعدادات متساوية للخير والشر والهدى والضلال ، فهو قادر على توجيه نفسه إلى الخير وإلى الشر .

لقد خلق الله الإنسان بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ، وزوده بالعقل والإرادة ، والحرية والاختيار . وقد بين الله للإنسان طريق الهدى وطرق الضلال ، وأودع في النفس البشرية أصول المعرفة ، والتمييز بين الحق والباطل ، فمن حمل نفسه على الاستقامة وصانها عن الشر فقد رزق الفلاح والسداد ، ومن أهمل نفسه واتبع شهواته ، وأرخى العنان لنزواته فقد خاب ، لأنه هوى بنفسه من سمو الطاعة إلى حضيض المعصية .

11-15- كذّبت ثمود بطغواها* إذ انبعث أشقاها* فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها* فكذّبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوّاها* ولا يخاف عقباها .

ذكرت قصة ثمود في مواضع كثيرة من القرآن الكريم ، وقد ذكر هنا طغيانها وعتوّها على أمر الله ، وقد أعطى الله نبيهم صالحا الناقة آية مبصرة ، فكانت تشرب وحدها من الماء في يوم ، وتحلب لهم لبنا يكفيهم جميعا في ذلك اليوم ، ثم يشربون من الماء في اليوم التالي ، وقد حذرهم رسول الله صالح من الإساءة إلى الناقة ، ولكنهم خالفوا أمره ، وذهب شقي منهم فعقر الناقة ، ولما سكتوا عنه صاروا كأنهم قد اشتركوا معه ، لأنهم أهملوا التناصح ، ولم يأخذوا على يد الظالم : فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوّاها . فأطبق عليهم العذاب ، وسوّى الله القبيلة بالأرض ، أي دمر مساكنها على ساكنيها .

ولا يخاف عقباها . أي أن الله أهلك القبيلة دون أن يخشى عاقبة ما فعل ، لأنه عادل لا يخاف عاقبة ما يفعل ، قويّ لا يخاف أن يناله مكروه من أحد ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا .

مقاصد السورة

1- القسم بالشمس والقمر ، والنهار والليل ، والسماء والأرض والنفس ، على أن من طهّر نفسه بالأخلاق الفاضلة فقد أفلح وفاز ، ومن سلك طريق الهوى والغواية فقد خاب وشقى .

2- ذكر ثمود مثلا لمن دسى نفسه فاستحق عقاب الله .

جزاء إصلاح النفس وإهمالها

بسم الله الرحمان الرحيم

{ والشمس وضحاها 1 والقمر إذا تلاها 2 والنهار إذا جلاّها 3 والليل إذا يغشاها 4 والسماء وما بناها 5 والأرض وما طحاها 6 ونفس وما سوّاها 7 فألهمها فجورها وتقواها 8 قد أفلح من زكّاها 9 وقد خاب من دسّاها 10 }

المفردات :

ضحاها : ضحى الشمس ضوءها .

التفسير :

1- والشمس وضحاها .

أقسم بالشمس التي تملأ الكون بالنور والضياء والدفء ، وتمدّ الكون بأشعتها ، وتساعد في نمو الإنسان والحيوان والنبات والمخلوقات ، وأقسم بالضحى حيث تكون الشمس مشرقة دافئة في الشتاء ، متوسطة الحرارة في الصيف ، فهما قسمان :

الأول : قسم بالشمس .

الثاني : قسم بالضحى .

وقد شرعت صلاة الضحى كشكر لله على نعمه ، في إمداد الكون بالنور والضوء ليعمل الناس ويبحثوا عن أسباب الرزق .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا} (1)

مقدمة السورة:

( 91 ) سورة الشمس

مكية ، وآيتها خمس عشرة

بسم الله الرحمان الرحيم

في هذه السورة ترغيب في تزكية النفوس وتطهيرها بالإيمان والطاعة . وترهيب من خسرانها بالكفر والمعاصي . وإنذار لكفار مكة وأضرابهم ، أن يصيبهم من النكال ما أصاب ثمود حين كذبوا رسولهم ، وعقروا الناقة ، وهي آية الله على صدقه في رسالته . وقد أقسم الله تعالى فيها بكائنات عظيمة النفع والآثار في العالم العلوي والسفلي ؛ دالة بوجودها واختلاف أحوالها على كمال قدرته تعالى ووحدانيته . وأقسم بنفسه تعالى ؛ إذ كان سبحانه الموجد المبدع والمدبر لها . أو بفعله الحكيم المتقن

فقال : { والشمس وضحاها } أقسم بالشمس ، وهي من العظم والنفع للخلق بالمكان الذي لا يخفى . وبضحاها أي ضوئها ، إذا أشرقت وارتفعت .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا} (1)

{ 1 - 15 } { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا * كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا * إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا }

أقسم تعالى بهذه الآيات العظيمة ، على النفس المفلحة ، وغيرها من النفوس الفاجرة ، فقال :

{ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } أي : نورها ، ونفعها الصادر منها .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا} (1)

مقدمة السورة:

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

سورة الشمس مكية.

فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :

أخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي عن بريدة : «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في صلاة العشاء والشمس وضحاها وأشباهها من السور » ، وقد تقدم حديث جابر في الصحيح : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ : «هلا صليت بسبح اسم ربك الأعلى ، والشمس وضحاها ، والليل إذا يغشى » وأخرج الطبراني عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يقرأ في صلاة الصبح بالليل إذا يغشى والشمس وضحاها » . وأخرج البيهقي في الشعب عن عقبة بن عامر قال : «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي ركعتي الضحى بسورتيهما بالشمس وضحاها والضحى » . ...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

هذه السورة القصيرة ذات القافية الواحدة ، والإيقاع الموسيقي الواحد ، تتضمن عدة لمسات وجدانية تنبثق من مشاهد الكون وظواهره التي تبدأ بها السورة والتي تظهر كأنها إطار للحقيقة الكبيرة التي تتضمنها السورة . حقيقة النفس الإنسانية ، واستعداداتها الفطرية ، ودور الإنسان في شأن نفسه .....كما جاء في الفقرة الأولى في السورة : ( قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها ) . . ( والشمس وضحاها . والقمر إذا تلاها . والنهار إذا جلاها . والليل إذا يغشاها . والسماء وما بناها . والأرض وما طحاها . ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها ) . . يقسم الله سبحانه بهذه الخلائق والمشاهد الكونية ، كما يقسم بالنفس وتسويتها وإلهامها . ومن شأن هذا القسم أن يخلع على هذه الخلائق قيمة كبرى ؛ وأن يوجه إليها القلوب تتملاها ، وتتدبر ماذا لها من قيمة وماذا بها من دلالة ، حتى استحقت أن يقسم بها الجليل العظيم ....

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

سميت هذه السورة في المصاحف وفي معظم كتب التفسير سورة الشمس بدون واو، وكذلك عنونها الترمذي في جامعه بدون واو في نسخ صحيحة من جامع الترمذي ومن عارضة الأحوذي لابن العربي . وعنونها البخاري سورة والشمس وضحاها بحكاية لفظ الآية ، وكذلك سميت في بعض التفاسير وهو أولى أسمائها لئلا تلتبس على القارئ بسورة إذا الشمس كورت المسماة سورة التكوير . ولم يذكرها في الإتقان مع السور التي لها أكثر من اسم ... أغراضها: تهديد المشركين بأنهم يوشك أن يصيبهم عذاب بإشراكهم وتكذيبهم برسالة محمد صلى الله عليه وسلم كما أصاب ثمودا بإشراكهم وعتوهم على رسول الله إليهم الذي دعاهم إلى التوحيد . وقدم لذلك تأكيد الخبر بالقسم بأشياء معظمة وذكر من أحوالها ما هو على بديع صنع الله تعالى الذي لا يشاركه فيه غيره فهو دليل على أنه المنفرد بالإلهية والذي لا يستحق غيره الإلهية وخاصة أحوال النفوس ومراتبها في مسالك الهدى والضلال والسعادة والشقاء . ...

التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :

في السورة توكيد بفلاح المتقين الصالحين ، وخسران المنحرفين الضالين ، وتذكير بحادث ناقة ثمود ونكال الله فيهم لتمردهم وطغيانهم ، وتقرير لقابلية اكتساب الخير والشر في الإنسان وإيداع الله فيه تلك القابلية وإقداره على هذا الاكتساب . وهي عرض عام لأهداف الدعوة ، وليس فيها مواقف حجاج وردود ، مما يمكن أن يدل على أنها نزلت قبل الفصول التي ذكرت فيها مثل ذلك . ...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

السّورة هي في الواقع سورة تهذيب النفس ، وتطهير القلوب من الأدران ، ومعانيها تدور حول هذا الهدف ، وفي مقدمتها قسم بأحد عشر مظهراً من مظاهر الخليقة وبذات الباري سبحانه ، من أجل التأكيد على أن فلاح الإنسان يتوقف على تزكية نفسه ، والسّورة فيها من القسم ما لم يجتمع في سورة أخرى . وفي المقطع الأخير من السّورة ذكر لقوم «ثمود » باعتبارهم نموذجاً من أقوام طغت وتمردت ، وانحدرت بسبب ترك تزكية نفسها إلى هاوية الشقاء الأبدي ، والعقاب الإلهي الشديد . وهذه السّورة القصيرة في الواقع تكشف عن مسألة مصيرية هامّة من مسائل البشرية ، وتبيّن نظام القيم في الإسلام بالنسبة إلى أفراد البشر . ...

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

[وضحاها] يعني: وحرها...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قوله : "والشّمْسِ وَضُحاها" قسم، أقسم ربنا تعالى ذكره بالشمس وضحاها، ومعنى الكلام : أقسم بالشمس ، وبضحى الشمس .

واختلف أهل التأويل في معنى قوله : "وَضُحاها" ؛

فقال بعضهم : معنى ذلك : والشمس والنهار ، وكان يقول : الضحى : هو النهار كله ... وقال آخرون : معنى ذلك : وضوئها ...

والصواب من القول في ذلك أن يقال : أقسم جلّ ثناؤه بالشمس ونهارها ، لأن ضوء الشمس الظاهرة هو النهار .

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

وهذا في موضع القسم ؛ وذلك لأن الله تعالى جعل في الشمس معاني تدل على لطائف حكمته وعجائب تدبيره ، وجعلها في النهاية من البركات وفي النهاية من الآيات . فمن عجيب تدبيره أنه جعل نورها بحيث تهلك نور الظل حتى إذا بدت في مكان أذهبت نور الظل ونور السراج ونور القمر ، وستر نورها الكواكب عن أن ترى ، وجعلها بحيث يظهر بها هباء الهواء ... ولو أراد أحد من الخلائق أن يدرك المعنى الذي به استنارت هذه الشمس كَلَّ ، ولم يقف عليه ؟ ثم من بركتها أن بحرارتها صالح الأغذية ، وبها صالح النبات ، وبها يكبس الحَب ، وبها تنضج الفواكه . ومن عجيب تدبيره أنه جعلها بالنائي عن كل شيء له بها صلاح ؛ إذ لو دنت منه لكانت تحرق الأشياء كلها... وهي أيضا تظهر جود الرب ، جل جلاله ، لأن منافعها تعم الخلق كلهم برهم وفاجرهم والولي منهم والعدو ، فأقسم الله بها ليزيل عن الكفرة الشبهة التي تعترض لهم من أمر الدين : إما في التوحيد، وإما في الرسالة، وإما في البعث ، والله أعلم . ...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

ضحاها : ضوؤها إذا أشرقت وقام سلطانها ؛ ولذلك قيل : وقت الضحى ، كأن وجهه شمس الضحى . وقيل : الضحوة ارتفاع النهار . والضحى فوق ذلك . والضحاء بالفتح والمد : إذا امتد النهار وقرب أن ينتصف . ...

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

أقسم الله تعالى ب { الشمس } إما على التنبيه منها وإما على تقدير : ورب الشمس ، و «الضُّحى » بضم الضاد والقصر : ارتفاع الضوء وكماله ، وبهذا فسر مجاهد...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

...واعلم أنه تعالى إنما أقسم بالشمس وضحاها لكثرة ما تعلق بها من المصالح ، فإن أهل العالم كانوا كالأموات في الليل ، فلما ظهر أثر الصبح في المشرق صار ذلك كالصور الذي ينفخ قوة الحياة ، فصارت الأموات أحياء ، ولا تزال تلك الحياة في الازدياد والقوة والتكامل ، ويكون غاية كمالها وقت الضحوة ، فهذه الحالة تشبه أحوال القيامة ، ووقت الضحى يشبه استقرار أهل الجنة فيها...

جهود القرافي في التفسير 684 هـ :

التزم الله تعالى أن من زكى نفسه يجد عنده تعالى فلاحا ، وأن من دساها ، أي : دسسها بالمعاصي ، فأبدلت إحدى السينين ألفا ، فإنه يجد عنده تعالى خيبة . وأكد هذا الالتزام بالقسم السابق ، وهو قوله تعالى : { والشمس وضحاها } إلى قوله : { ونفس وما سواها } فهذا كله قسم لذلك الالتزام . ( الفروق : 4/37 )...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

... { والشمس } أي الجامعة بين النفع والضر بالنور والحر ، كما أن العقول كذلك لا أنور منها إذا نارت ، ولا أظلم منها إذا بارت { وضحاها } أي وضوئها الناشئ عن جرمها العظيم الشأن البديع التكوين المذكر بالنيران إذا أشرقت وقام سلطانها كإشراق أنوار العقول ...

التيسير في أحاديث التفسير للمكي الناصري 1415 هـ :

وهذه السورة الكريمة يتصدرها قسم من الله بالشمس والقمر ، والنهار والليل ، والسماء والأرض ، والنفس ذات الاستعداد المزدوج ، ومناط القسم فيها هو تأكيد طبيعة النفس البشرية ، وزيادة التعريف بميزتها الخاصة ، ألا وهي استعدادها في كل وقت للميل نحو الخير ، وللميل نحو الشر ، فإذا مالت نحو الخير كانت نفسا زكية طاهرة ، وإذا مالت نحو الشر كانت نفسا شقية قذرة. ، وذلك ما يشير إليه قوله تعالى : { بسم الله الرحمن الرحيم والشمس وضحاها1 والقمر إذا تلاه2 والنهار إذا جلاها3 } ، أي : جلى البسيطة وأنار أرجاءها .

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

أكبر عدد من القسم القرآني تتضمّنه هذه السّورة ، هو في حساب «أحد عشر » ، وفي حساب آخر «سبعة » أقسام . . . ويبيّن أن السّورة تتعرض لموضوع خطير هام . . موضوع عظيم كعظمة السماء والأرض والشمس والقمر . . . موضوع حياتي مصيري . لنبدأ أولاً بشرح ما جاء في السّورة من قَسم ، لنتعرض بعد ذلك إلى موضوع الآية الأولى تقول : ( والشمس وضحاها ) . ولقد ذكرنا آنفاً أن القسم في القرآن يستهدف مقصدين : الأوّل : بيان أهمية ما جاء القسم من أجله . والثّاني : أهمية ما أقسم به القرآن ، لأنّ القسم عادة يكون بالمهم من الأمور من هنا تعمل هذه الأقسام على تحريك الفكر في الإنسان كي يمعن النظر في هذه الموضوعات الهامّة من عالم الخليقة ، وليتخذ منها سبيلاً إلى اللّه سبحانه وتعالى . «الشمس » ذات دور هام وبنّاء جدّاً في الموجودات الحية على ظهر البسيطة ....«الضحى » في الأصل انتشار نور الشمس ، وهذا ما يحدث حين يرتفع قرص الشمس عن الأفق ويغمر النور كل مكان ، ثمّ يطلق على تلك البرهة من اليوم اسم «الضحى » ، والقسم بالضحى لأهميته ، لأنّه وقت هيمنة نور الشمس على الأرض ....

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا} (1)

مقدمة السورة:

مكية باتفاق ، وهي خمس عشرة آية .

قال مجاهد : " وضحاها " أي ضوءها وإشراقها . وهو قسم ثان . وأضاف الضحى إلى الشمس ؛ لأنه إنما يكون بارتفاع الشمس . وقال قتادة : بهاؤها . السدي : حرها . وروى الضحاك عن ابن عباس : " وضحاها " قال : جعل فيها الضوء وجعلها حارة . وقال اليزيدي : هو انبساطها . وقيل : ما ظهر بها من كل مخلوق ، فيكون القسم بها وبمخلوقات الأرض كلها . حكاه الماوردي . والضحا : مؤنثة . يقال : ارتفعت الضحا ، وهي فوق الضحو{[16088]} . وقد تذكر . فمن أنث ذهب إلى أنها جمع ضحوة . ومن ذكر ذهب إلى أنه اسم على فعل ، نحو صرد ونغر{[16089]} . وهو ظرف غير متمكن مثل سحر . تقول : لقيته ضحا وضحا ، إذا أردت به ضحا يومك لم تنونه . وقال الفراء : الضحا هو النهار ، كقول قتادة . والمعروف عند العرب أن الضحا : النهار كله ، فذلك لدوام نور الشمس ، ومن قال : إنه نور الشمس أو حرها ، فنور الشمس لا يكون إلا مع حر الشمس . وقد استدل من قال : إن الضحى حر الشمس بقوله تعالى : " ولا تضحى " [ طه : 119 ] أي لا يؤذيك الحر . وقال المبرد : أصل الضحا من الضح ، وهو نور الشمس ، والألف مقلوبة من الحاء الثانية . تقول : " ضحوة وضحوات ، وضحوات وضحا ، فالواو من ضحوة مقلوبة عن الحاء الثانية ، والألف في ضحا مقلوبة عن الواو . وقال أبو الهيثم : الضح : نقيض الظل ، وهو نور الشمس على وجه الأرض ، وأصله الضحا فاستثقلوا الياء مع سكون الحاء ، فقلبوها ألفا .


[16088]:كذا في حاشية الجمل نقلا عن القرطبي. وفي نسخ الأصل وتفسير ابن عادل: "فوق الصخور". تحريف. يريد أن الضحا: أشد ارتفاعا من الضحو والضحوة (كما في اللسان: ضحا).
[16089]:الصرد: طائر فوق العصفور. والنغر: فرخ العصفور.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا} (1)

لما أثبت في سورة البلد أن الإنسان في كبد ، وختمها بأن من حاد عن سبيله كان في أنكد النكد ، وهو النار المؤصدة ، أقسم أول هذه على أن الفاعل لذلك أولاً وآخراً هو الله سبحانه لأنه يحول بين المرء وقلبه وبين القلب ولبه ، فقال مقسماً بما يدل على تمام علمه وشمول قدرته في الآفاق علويها وسفليها ، والأنفس سعيدها وشقيها وبدأ بالعالم العلوي ، فأفاد ذلك قطعاً العلم بأنه الفاعل المختار ، وعلى العلم بوجوب ذاته وكمال صفاته ، وذلك أقصى درجات القوى النظرية ، تذكيراً بعظائم آلائه ، ليحمل على الاستغراق في شكر نعمائه ، الذي هو منتهى كمالات القوى العملية ، مع أن أول المقسم به مذكر بما ختم به آخر تلك من النار : { والشمس } أي الجامعة بين النفع والضر بالنور والحر ، كما أن العقول كذلك لا أنور منها إذا نارت ، ولا أظلم منها إذا بارت { وضحاها * } أي وضوئها الناشىء عن جرمها العظيم الشأن البديع التكوين المذكر بالنيران إذا أشرقت وقام سلطانها كإشراق أنوار العقول ، والضحى - بالضم والقصر : صدر النهار حين ارتفاعه ، وبالفتح والمد : شدة الحر بعد امتداد النهار ، وشيء ضاح - إذا ظهر للشمس والحر .