ويصور مشهدهم يوم القيامة في وضع مزر مهين ، وهم يحلفون لله كما كانوا يحلفون للناس : ( يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ) . . مما يشير إلى أن النفاق قد تأصل في كيانهم ، حتى ليصاحبهم إلى يوم القيامة . وفي حضرة الله ذي الجلال . الذي يعلم خفايا القلوب وذوات الصدور ! ( ويحسبون أنهم على شيء ) . . وهم على هواء لا يستندون إلى شيء . أي شيء !
يوم يبعثهم : اذكر لهم ذلك اليوم .
18- { يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ }
أي : حين يبعثهم الله جميعا من قبورهم ، ويساقون للوقوف بين يدي علام الغيوب ، فيحلفون بالله ويقولون : { والله ربنا ما كنا مشركين } . ( الأنعام : 23 ) .
فإن من شب على شيء شاب عليه ، ومن شاب على شيء مات عليه ، ومن مات على شيء بعث عليه ، فهؤلاء تعودوا على اليمين الغموس ، حتى بين يدي علام الغيوب الذي لا تخفى عليه خافية ، يحلفون أمامه في الآخرة كما كانوا يفعلون في الدنيا ، ظانين أن هذه اليمين ستجعلهم يفلتون من عذاب الله في الآخرة .
والعجب منهم كيف يعتقدون أن كفرهم يخفى على علام الغيوب ، ويجرونه مجرى المؤمنين في عدم اطلاعهم على كفرهم ونفاقهم ؟ والمقصود : أنهم تعودوا الكذب حتى كان على ألسنتهم في الآخرة كما كان في الدنيا . 1ه .
{ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ } .
إنهم حقا أهل كذب ونفاق وخداع ، لذلك أكد الله كذبهم بأداة الاستفتاح ، وبحرف ( إن ) ، وبإسمية الجملة .
ونحو الآية قوله تعالى : { ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين*انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون } . ( الأنعام : 23-24 ) .
فكما أن المنافقين في الدنيا يموهون على المؤمنين ، ويحلفون لهم أنهم مؤمنون ، فإذا كان يوم القيامة وبعثهم الله جميعا ، حلفوا لله كما حلفوا للمؤمنين ، ويحسبون في حلفهم هذا أنهم على شيء ، لأن كفرهم ونفاقهم وعقائدهم الباطلة ، لم تزل ترسخ في أذهانهم شيئا فشيئا ، حتى غرتهم وظنوا أنهم على شيء يعتد به ، ويعلق عليه الثواب ، وهم كاذبون في ذلك ، ومن المعلوم أن الكذب لا يروج على عالم الغيب والشهادة .
ولما كان إفسادهم لذات البين سراً ، وحلفهم على نفي ذلك جهراً مع الإلزام{[63454]} بقبول ما ظهر من ذلك منهم مع علمه سبحانه وتعالى بأنه كذب غائظاً موجعاً ، وكان ربما توهم متوهم أنه تعالى كما ألزم بقبولنا لما ظهر منهم في دار العمل يأمر بقبولهم في دار الجزاء ، قال نافياً لذلك معزياً للمؤمنين بأنهم يفعلون ذلك معه سبحانه بعد{[63455]} كشف الغطاء وتحقيق الأمور ، لأن الإنسان يبعث على ما مات عليه ، لأن ذلك جبلته التي لا ينفك عنها ، ولا ينفعهم ذلك ، ذاكراً ظرف الخلود وإظهار التعذيب{[63456]} : { يوم يبعثهم الله } أي الملك{[63457]} الذي له جميع صفات الكمال بإحيائهم عما كانوا {[63458]}فيه من الموت{[63459]} وردهم إلى ما كانوا قبله { جميعاً } لا يترك أحداً منهم ولا من غيرهم إلا أعاده إلى ما كان عليه قبل موته ، { فيحلفون } أي فيتسبب عن ظهور القدرة التامة لهم ومعاينة ما كانوا يكذبون به من البعث والنار أنهم يحلفون { له } أي لله في الآخرة أنهم مسلمون فيقولون :{ والله ربنا ما كنا مشركين } ، ونحوه من الأكذوبات التي تزيدهم ضرراً ، ولا تغني عنهم شيئاً بوجه من الوجوه ، جرياً على ما طبعوا عليه من إيثار{[63460]} الهوى والقصور على النظر في المحسوسات التي ألفوها { كما يحلفون } في الدنيا { لكم } لكونكم لا تعلمون الغيب مع{[63461]} توقعهم أن الله يفضحهم كما فعل لهم ذلك مراراً ، وحلفهم ناشئ عن اعتقاد بعدهم من القبول ، فإنه لا يحلف لك{[63462]} إلا من يظن{[63463]} أنك تكذبه : قال القشيري : عقوبتهم الكبرى ظنهم الأجنبية ، وغاية الجهد كبهم على مناخرهم في وهدة ندمهم{[63464]} .
ولما كان{[63465]} الذي يحملهم على الإقدام على ذلك ضعف عقولهم وتوغلهم في النفاق ومرودهم عليه حتى بعثوا على مثل ذلك ، مع علمهم بأن ذلك لا ينجيهم لإحاطة علمه سبحانه ، عبر بالحسبان ، فقال دالاًّ على أنهم في الغاية من الجهل وقلة العقل : { ويحسبون } أي في القيامة بأيمانهم الكاذبة { أنهم على شيء } أي يحصل لهم به نفع لتخيلهم أن أيمانهم تروج على الله فتنجيهم كما كانت {[63466]}في الدنيا تنجيهم{[63467]} .
ولما أفهم ذلك أن أمورهم لا حقائق لها لا في إخباراتهم ولا في أيمانهم ولا في حسبانهم ، قال منادياً عليهم مؤكداً لتكذيب حسبانهم {[63468]} : { ألا إنهم } أي خاصة { هم الكاذبون * } أي المحكوم بكذبهم في حسبانهم وفي أخبارهم في الدارين ، لعراقتهم في وصف الكذب حيث لا يستحيون من الكذب عند الله .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.