في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا} (1)

مقدمة السورة:

سورة الشمس مكية وآياتها خمس عشرة

هذه السورة القصيرة ذات القافية الواحدة ، والإيقاع الموسيقي الواحد ، تتضمن عدة لمسات وجدانية تنبثق من مشاهد الكون وظواهره التي تبدأ بها السورة والتي تظهر كأنها إطار للحقيقة الكبيرة التي تتضمنها السورة . حقيقة النفس الإنسانية ، واستعداداتها الفطرية ، ودور الإنسان في شأن نفسه ، وتبعته في مصيرها . . هذه الحقيقة التي يربطها سياق السورة بحقائق الكون ومشاهده الثابتة .

كذلك تتضمن قصة ثمود ، وتكذيبها بإنذار رسولها ، وعقرها للناقة ، ومصرعها بعد ذلك وزوالها . وهي نموذج من الخيبة التي تصيب من لا يزكي نفسه ، فيدعها للفجور ، ولا يلزمها تقواها : كما جاء في الفقرة الأولى في السورة : ( قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها ) . .

( والشمس وضحاها . والقمر إذا تلاها . والنهار إذا جلاها . والليل إذا يغشاها . والسماء وما بناها . والأرض وما طحاها . ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها . وقد خاب من دساها ) . .

يقسم الله سبحانه بهذه الخلائق والمشاهد الكونية ، كما يقسم بالنفس وتسويتها وإلهامها . ومن شأن هذا القسم أن يخلع على هذه الخلائق قيمة كبرى ؛ وأن يوجه إليها القلوب تتملاها ، وتتدبر ماذا لها من قيمة وماذا بها من دلالة ، حتى استحقت أن يقسم بها الجليل العظيم .

ومشاهد الكون وظواهره إطلاقا بينها وبين القلب الإنساني لغة سرية ! متعارف عليها في صميم الفطرة وأغوار المشاعر . وبينها وبين الروح الإنساني تجاوب ومناجاة بغير نبرة ولا صوت ، وهي تنطق للقلب ، وتوحي للروح ، وتنبض بالحياة المأنوسة للكيان الإنساني الحي ، حيثما التقى بها وهو مقبل عليها ، متطلع عندها إلى الأنس والمناجاة والتجاوب والإيحاء .

ومن ثم يكثر القرآن من توجيه القلب إلى مشاهد الكون بشتى الأساليب ، في شتى المواضع . تارة بالتوجيهات المباشرة ، وتارة باللمسات الجانبية كهذا القسم بتلك الحقائق والمشاهد ، ووضعها إطارا لما يليها من الحقائق . وفي هذا الجزء بالذات لاحظنا كثرة هذه التوجيهات واللمسات كثرة ظاهرة . فلا تكاد سورة واحدة تخلو من إيقاظ القلب لينطلق إلى هذا الكون ، يطلب عنده التجاوب والإيحاء . ويتلقى عنه - بلغة السر المتبادل - ما ينطق به من دلائل وما يبثه من مناجاة !

وهنا نجد القسم الموحي بالشمس وضحاها . . بالشمس عامة وحين تضحى وترتفع عن الأفق بصفة خاصة . وهي أروق ما تكون في هذه الفترة وأحلى . في الشتاء يكون وقت الدفء المستحب الناعش . وفي الصيف يكون وقت الإشراق الرائق قبل وقدة الظهيرة وقيظها . فالشمس في الضحى في أروق أوقاتها وأصفاها . وقد ورد أن المقصود بالضحى هو النهار كله ، ولكنا لا نرى ضرورة للعدول عن المعنى القريب للضحى . وهو ذو دلالة خاصة كما رأينا .

 
تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة الشمس

( سورة الشمس مكية ، وآياتها 15 آية ، نزلت بعد سورة القدر )

وهي سورة قصيرة ذات قافية واحدة ، وإيقاع موسيقي واحد ، تتضمن عدة لمسات وجدانية تنبثق من مشاهد الكون وظواهره التي تبدأ بها السورة ، والتي تظهر كأنها إطار للحقيقة الكبيرة التي تتضمنها السورة ، حقيقة النفس الإنسانية واستعدادها الفطري ، ودور الإنسان في شأن نفسه ، وتبعته في مصيرها . . . هذه الحقيقة التي تربطها سياق السورة بحقائق الكون ومشاهده الثابتة .

( كذلك تتضمن قصة ثمود وتكذيبها بإنذار رسولها ، وعقرها للناقة ، ومصرعها بعد ذلك وزوالها ، وهي نموذج من الخيبة التي تصيب من لا يزكى نفسه ، فيدعها للفجور )i ، ولا يلزمها تقواها ، كما جاء في الفقرة الأولى من السورة : قد أفلح من زكّاها* وقد خاب من دسّاها . ( الشمس : 9 ، 10 ) .

مع آيات السورة

لله تعالى كتابان : كتاب مقروء وهو القرآن الكريم ، وكتاب مفتوح وهذا هو الكون العظيم ، ومشاهد الكون تأسر القلب ، وتبهج النفس ، وتوقظ الحس ، وتنبّه المشاعر .

( ومن ثم يكثر القرآن من توجيه القلب إلى مشاهد الكون بشتى الأساليب في شتى المواضع ، تارة بالتوجيهات المباشرة ، وتارة باللمسات الجانبية ، كهذا القسم بتلك الخلائق والمشاهد ، ووضعها إطارا لما يليها من الحقائق )ii .

1- أقسم الله بالشمس ، وبنورها الساطع في وقت الضحى ، وهو الوقت الذي يظهر فيه ضوء النهار ، ويتجلى نور الشمس ، ويعم الدفء في الشتاء ، والضياء في الصيف ، قبل حر الظهيرة وقيظها .

2- وأقسم الله بالقمر إذا جاء بعد الشمس ، بنوره اللطيف الهادئ الذي يغمر الكون بالضياء والأنس والجمال .

3- وأقسم بالنهار إذا أظهر الشمس وأتم وضوحها ، وللنهار في حياة الإنسان آثار جليلة ، ففيه السعي والحركة والنشاط .

4- وأقسم الله بالليل إذا غشي الكون ، فغطى ظلامه الكائنات ، وحجب نور الشمس وأخفاه .

5- وأقسم الله بالسماء ومن قدّر خلقها ، وأحكم صنعها على النحو الذي نشاهده .

6- وأقسم الله بالأرض ، والذي بسطها ومهّدها للسكنى .

لقد جمع القسم بين ضياء الشمس ونور القمر ، وضوء النهار وظلام الليل ، وارتفاع السماء وبسط الأرض ، ونلحظ في هذا القسم المقابلة بين النور والظلام ، وبين السماء والأرض ، مما يلفت النظر إلى بديع صنع الله ، وجليل وحيه وإعجاز كتابه .

7-10- ونفس وما سوّاها* فألهمها فجورها وتقواها* قد أفلح من زكّاها* وقد خاب من دسّاها .

خلق الله الإنسان مزودا باستعدادات متساوية للخير والشر والهدى والضلال ، فهو قادر على توجيه نفسه إلى الخير وإلى الشر .

لقد خلق الله الإنسان بيده ، ونفخ فيه من روحه ، وأسجد له ملائكته ، وزوده بالعقل والإرادة ، والحرية والاختيار . وقد بين الله للإنسان طريق الهدى وطرق الضلال ، وأودع في النفس البشرية أصول المعرفة ، والتمييز بين الحق والباطل ، فمن حمل نفسه على الاستقامة وصانها عن الشر فقد رزق الفلاح والسداد ، ومن أهمل نفسه واتبع شهواته ، وأرخى العنان لنزواته فقد خاب ، لأنه هوى بنفسه من سمو الطاعة إلى حضيض المعصية .

11-15- كذّبت ثمود بطغواها* إذ انبعث أشقاها* فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها* فكذّبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوّاها* ولا يخاف عقباها .

ذكرت قصة ثمود في مواضع كثيرة من القرآن الكريم ، وقد ذكر هنا طغيانها وعتوّها على أمر الله ، وقد أعطى الله نبيهم صالحا الناقة آية مبصرة ، فكانت تشرب وحدها من الماء في يوم ، وتحلب لهم لبنا يكفيهم جميعا في ذلك اليوم ، ثم يشربون من الماء في اليوم التالي ، وقد حذرهم رسول الله صالح من الإساءة إلى الناقة ، ولكنهم خالفوا أمره ، وذهب شقي منهم فعقر الناقة ، ولما سكتوا عنه صاروا كأنهم قد اشتركوا معه ، لأنهم أهملوا التناصح ، ولم يأخذوا على يد الظالم : فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسوّاها . فأطبق عليهم العذاب ، وسوّى الله القبيلة بالأرض ، أي دمر مساكنها على ساكنيها .

ولا يخاف عقباها . أي أن الله أهلك القبيلة دون أن يخشى عاقبة ما فعل ، لأنه عادل لا يخاف عاقبة ما يفعل ، قويّ لا يخاف أن يناله مكروه من أحد ، تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا .

مقاصد السورة

1- القسم بالشمس والقمر ، والنهار والليل ، والسماء والأرض والنفس ، على أن من طهّر نفسه بالأخلاق الفاضلة فقد أفلح وفاز ، ومن سلك طريق الهوى والغواية فقد خاب وشقى .

2- ذكر ثمود مثلا لمن دسى نفسه فاستحق عقاب الله .

جزاء إصلاح النفس وإهمالها

بسم الله الرحمان الرحيم

{ والشمس وضحاها 1 والقمر إذا تلاها 2 والنهار إذا جلاّها 3 والليل إذا يغشاها 4 والسماء وما بناها 5 والأرض وما طحاها 6 ونفس وما سوّاها 7 فألهمها فجورها وتقواها 8 قد أفلح من زكّاها 9 وقد خاب من دسّاها 10 }

المفردات :

ضحاها : ضحى الشمس ضوءها .

التفسير :

1- والشمس وضحاها .

أقسم بالشمس التي تملأ الكون بالنور والضياء والدفء ، وتمدّ الكون بأشعتها ، وتساعد في نمو الإنسان والحيوان والنبات والمخلوقات ، وأقسم بالضحى حيث تكون الشمس مشرقة دافئة في الشتاء ، متوسطة الحرارة في الصيف ، فهما قسمان :

الأول : قسم بالشمس .

الثاني : قسم بالضحى .

وقد شرعت صلاة الضحى كشكر لله على نعمه ، في إمداد الكون بالنور والضوء ليعمل الناس ويبحثوا عن أسباب الرزق .

 
صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا} (1)

مقدمة السورة:

( 91 ) سورة الشمس

مكية ، وآيتها خمس عشرة

بسم الله الرحمان الرحيم

في هذه السورة ترغيب في تزكية النفوس وتطهيرها بالإيمان والطاعة . وترهيب من خسرانها بالكفر والمعاصي . وإنذار لكفار مكة وأضرابهم ، أن يصيبهم من النكال ما أصاب ثمود حين كذبوا رسولهم ، وعقروا الناقة ، وهي آية الله على صدقه في رسالته . وقد أقسم الله تعالى فيها بكائنات عظيمة النفع والآثار في العالم العلوي والسفلي ؛ دالة بوجودها واختلاف أحوالها على كمال قدرته تعالى ووحدانيته . وأقسم بنفسه تعالى ؛ إذ كان سبحانه الموجد المبدع والمدبر لها . أو بفعله الحكيم المتقن

فقال : { والشمس وضحاها } أقسم بالشمس ، وهي من العظم والنفع للخلق بالمكان الذي لا يخفى . وبضحاها أي ضوئها ، إذا أشرقت وارتفعت .

 
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي - الواحدي [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا} (1)

مقدمة السورة:

مكية وهي خمسة عشر آية

{ والشمس وضحاها } وضيائها

 
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا} (1)

مقدمة السورة:

مكية باتفاق ، وهي خمس عشرة آية .

قال مجاهد : " وضحاها " أي ضوءها وإشراقها . وهو قسم ثان . وأضاف الضحى إلى الشمس ؛ لأنه إنما يكون بارتفاع الشمس . وقال قتادة : بهاؤها . السدي : حرها . وروى الضحاك عن ابن عباس : " وضحاها " قال : جعل فيها الضوء وجعلها حارة . وقال اليزيدي : هو انبساطها . وقيل : ما ظهر بها من كل مخلوق ، فيكون القسم بها وبمخلوقات الأرض كلها . حكاه الماوردي . والضحا : مؤنثة . يقال : ارتفعت الضحا ، وهي فوق الضحو{[16088]} . وقد تذكر . فمن أنث ذهب إلى أنها جمع ضحوة . ومن ذكر ذهب إلى أنه اسم على فعل ، نحو صرد ونغر{[16089]} . وهو ظرف غير متمكن مثل سحر . تقول : لقيته ضحا وضحا ، إذا أردت به ضحا يومك لم تنونه . وقال الفراء : الضحا هو النهار ، كقول قتادة . والمعروف عند العرب أن الضحا : النهار كله ، فذلك لدوام نور الشمس ، ومن قال : إنه نور الشمس أو حرها ، فنور الشمس لا يكون إلا مع حر الشمس . وقد استدل من قال : إن الضحى حر الشمس بقوله تعالى : " ولا تضحى " [ طه : 119 ] أي لا يؤذيك الحر . وقال المبرد : أصل الضحا من الضح ، وهو نور الشمس ، والألف مقلوبة من الحاء الثانية . تقول : " ضحوة وضحوات ، وضحوات وضحا ، فالواو من ضحوة مقلوبة عن الحاء الثانية ، والألف في ضحا مقلوبة عن الواو . وقال أبو الهيثم : الضح : نقيض الظل ، وهو نور الشمس على وجه الأرض ، وأصله الضحا فاستثقلوا الياء مع سكون الحاء ، فقلبوها ألفا .


[16088]:كذا في حاشية الجمل نقلا عن القرطبي. وفي نسخ الأصل وتفسير ابن عادل: "فوق الصخور". تحريف. يريد أن الضحا: أشد ارتفاعا من الضحو والضحوة (كما في اللسان: ضحا).
[16089]:الصرد: طائر فوق العصفور. والنغر: فرخ العصفور.
 
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَٱلشَّمۡسِ وَضُحَىٰهَا} (1)

لما أثبت في سورة البلد أن الإنسان في كبد ، وختمها بأن من حاد عن سبيله كان في أنكد النكد ، وهو النار المؤصدة ، أقسم أول هذه على أن الفاعل لذلك أولاً وآخراً هو الله سبحانه لأنه يحول بين المرء وقلبه وبين القلب ولبه ، فقال مقسماً بما يدل على تمام علمه وشمول قدرته في الآفاق علويها وسفليها ، والأنفس سعيدها وشقيها وبدأ بالعالم العلوي ، فأفاد ذلك قطعاً العلم بأنه الفاعل المختار ، وعلى العلم بوجوب ذاته وكمال صفاته ، وذلك أقصى درجات القوى النظرية ، تذكيراً بعظائم آلائه ، ليحمل على الاستغراق في شكر نعمائه ، الذي هو منتهى كمالات القوى العملية ، مع أن أول المقسم به مذكر بما ختم به آخر تلك من النار : { والشمس } أي الجامعة بين النفع والضر بالنور والحر ، كما أن العقول كذلك لا أنور منها إذا نارت ، ولا أظلم منها إذا بارت { وضحاها * } أي وضوئها الناشىء عن جرمها العظيم الشأن البديع التكوين المذكر بالنيران إذا أشرقت وقام سلطانها كإشراق أنوار العقول ، والضحى - بالضم والقصر : صدر النهار حين ارتفاعه ، وبالفتح والمد : شدة الحر بعد امتداد النهار ، وشيء ضاح - إذا ظهر للشمس والحر .